كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

ولذلك بالغ عزوجل في الوعيد حيث قال سبحانه : إن تبدوا شيئا مما لا خير فيه على ألسنتكم كأن تتحدثوا بنكاحهن أو تخفوه في صدوركم فإن الله كان بكل شيء عليما 45 كامل العلم فيجازيكم بما صدر عنكم من المعاصي البادية والخافية لا محالة وهذا دليل الجواب والأصل إن تبدوا شيئا أو تخفوه يجازكم به فإن الله إلخ
وقيل هو الجواب على معنى فأخبركم أن الله إلخ وفي تعميم شيء في الموضعين مع البرهان على المقصود من ثبوت علمه تعالى بما يتعلق بزوجاته صلى الله تعالى عليه وسلم مزيد تهويل وتشديد ومبالغة الوعيد وسبب نزول الآية على ما قيل أنه لما نزلت آية الحجاب قال رجل : إنتهى أن نكلم بنات عمنا إلا من وراء حجاب لئن مات محمد صلى الله تعالى عليه وسلم لنتزوجن نساءه وفي بعض الروايات تزوجت عائشة أو أم سلمة
وأخرج جوبير عن إبن عباس أن رجلا أتى بعض أزواج النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فكلمها وهو إبن عمها فقال النبي عليه الصلاة و السلام : لا تقومن هذا المقام بعد يومك هذا فقال : يارسول الله إنها إبنة عمي والله ما قلت لها منكرا ولا قالت لي قال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم : قد عرفت ذلك أنه ليس أحد أغير من الله تعالى وأنه ليس أحد أغير مني فمضى ثم قال : عنفني من كلام إبنة عمي لأتزوجنها من بعده فأنزل الله تعالى هذه الآية فأعتق ذلك الرجل رقبة وحمل على عشرة أبعرة في سبيل الله تعالى وحج ماشيا من كلمته
وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وإبن المنذر عن قتادة أن طلحة بن عبيدالله قال : لو قبض النبي صلى الله تعالى عليه وسلم تزوجت عائشة فنزلت وما كان لكم الآية
قال إبن عطية : كون القائل طلحة رضي الله تعالى عنه لا يصح وهو الذي يغلب على ظني ولا أكاد أسلم الصحة إلا إذا سلم ما تضمنه خبر إبن عباس مما يدل على الندم العظيم وفي بعض الروايات أن بعض المنافقين قال حين تزوج رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أم سلمة بعد أبي سلمة وحفصة بعد خنيس بن حذافة ما بال محمد صلى الله تعالى عليه وسلم يتزوج نساءنا والله لو قد مات لأجلنا السهام على نسائه فنزلت ولعمري أن ذلك غير بعيد عن المنافقين وهو أبعد من العيوق عن المؤمنين المخلصين لا سيما من كان من المبشرين رضي الله تعالى عنهم أجمعين ورأيت لبعض الأجلة أن طلحة الذي قال ما قال ليس هو طلحة أحد العشرة وإنما هو طلحة آخر لا يبعد منه القول المحكي وهذا من باب إشتباه الأسم فلا إشكال
لا جناح عليهن في آبائهن ولا أبنائهن ولا إخوانهن ولا أبناء إخوانهن ولا أبناء أخواتهن إستئناف لبيان من لا يجب عليهن الإحتجاب عنه روى أنه لما نزلت آية الحجاب قال الآباء والأبناء والأقارب أو نحن يارسول الله نكلمهن أيضا من وراء حجاب فنزلت والظاهر أن المعنى لا إثم عليهن في ترك الحجاب من آبائهن إلخ وروى ذلك عن قتادة وعن مجاهد أن المراد لا جناح عليهن في وضع الجلباب وإبداء الزينة للمذكورين وفي حكمهم كل ذي رحم محرم من نسب أو رضاع على ما روى إبن سعد عن الزهري وأخرج إبن أبي شيبة وأبو داؤد في ناسخه عن عكرمة قال : بلغ إبن عباس رضي الله تعالى عنهما أن عائشة رضي الله تعالى عنها أحتجبت من الحسن رضي الله تعالى عنه فقال إن رؤيته لها لحل ولم يذكر العم والخال لأنهما بمنزلة الوالدين أو لأنه إكتفى عن ذكرهما بذكر أبناء الأخوة وأبناء الأخوات فإن مناط عدم لزوم الحجاب بينهن وبين الفريقين عين ما بينهن وبين العم والخال من العمومة والخؤلة لما أنهن عمات لأبناء الأخوة وخالات لأبناء الأخوات وقال الشعبي :

الصفحة 74