كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

لم يذكرا وإن كانا من المحارم لئلا يصفاها لأبنائهما وليسوا من المحارم وقد أخرج نحو ذلك إبن جرير وإبن المنذر عن علي كرم الله تعالى وجهه وقد كره الشعبي وعكرمة أن تضع المرأة خمارها عند عمها أو خالها مخافة وصفه إياها لإبنه وهذا القول عندي ضعيف لجريان ذلك في النساء كلهن ممن لم يكن أمهات محارم ولا أرى صحة الرواية عن علي كرم الله تعالى وجهه ولا نسائهن أي النساء المؤمنات على ما روى عن إبن عباس وإبن زيد ومجاهد والإضافة إليهن بإعتبار أنهن على دينهن فيحتجبن على الكافرات ولو كتابيات وفي البحر دخل في نسائهن الأمهات والأخوات وسائر القرابات ومن يتصل بهن من المتصرفات لهن والقائمات بخدمتهن
ولا ما ملكت أيمانهن ظاهره من العبيد والإماء وأخرجه إبن مردويه عن إبن عباس وإليه ذهب الإمام الشافعي وقال الخفاجي : مذهب أبي حنيفة أنه مخصوص بالإماء وعلى الظاهر أستثنى المكاتب قال أبو حيان : إنه أمر بضرب الحجاب دونه وفعلته أم سلمة مع مكاتبها نبهان وأتقين الله في كل ما تأتن وتذرن لا سيما فيما أمرتن به وما نهيتن عنه وفي البحر في الكلام حذف والتقدير أقتصرن على هذا وأتقين الله تعالى فيه أن تتعدينه إلى غيره وفي نقل الكلام من الغيبة إلى الخطاب فضل تشديد في طلب التقوى منهن إن الله كان على كل شيء شهيدا 55 لا تخفى عليه خافية ولا تتفاوت في علمه الأحوال فيجازي سبحانه على الأعمال بحسبها هذا وأختلف في حرمة رؤية أشخاصهن مستترات فقال بعضهم بها ونسب ذلك إلى القاضي عياض وعبارته فرض الحجاب مما أختصصن به فهو فرض عليهن بلا خلاف في الوجه والكفين فلا يجوز لهن كشف ذلك في شهادة ولا غيرها ولا إظهار شخوصهن وإن كن مستترات إلا ما دعت إليه ضرورة من ثم أستدل بما في الموطأ أن حفصة لما توفي عمر رضي الله تعالى عنه سترتها النساء عن أن يرى شخصها وأن زينب بنت جحش جعلت لها القبة فوق نعشها لتستر شخصها إنتهى وتعقب ذلك الحافظ إبن حجر فقال : ليس فيما ذكره دليل على ما أدعاه من فرض ذلك عليهن فقد كن بعد النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يحججن ويطفن وكان الصحابة ومن بعدهم يسمعون منهن الحديث وهن مستترات الأبدان لا الأشخاص وأنا أرى أفضلية ستر الأشخاص فلا يبعد القول بندبه لهن وطلبه منهن أزيد من غيرهن وفي البحر ذهب عمر رضي الله تعالى عنه إلى أنه لا يشهد جنازة زينب إلا ذو محرم منها مراعاة للحجاب فدلته أسماء بنت عميس على سترها في النعش بقبة تضرب عليه وأعلمته أنها رأت ذلك في بلاد الحبشة فصنعه عمر رضي الله تعالى عنه وروى أنه صنع ذلك في جنازة فاطمة بنت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إن الله وملائكته يصلون على النبي كالتعليل لما أفاده الكلام السابق من التشريف العظيم الذي لم يعهد له نظير والتعبير بالجملة الأسمية للدلالة على الدوام والإستمرار وذكر أن الجملة تفيد الدوام نظرا إلى صدرها من حيث أنها جملة أسمية وتفيد التجدد نظرا إلى عجزها من حيث أنه جملة فعلية فيكون مفادها إستمرار الصلاة وتجددها وقتا فوقتا وتأكيدها بأن للإعتناء بشأن الخبر وقيل لوقوعها في جواب سؤال مقدر هو ما سبب هذا التشريف العظيم وعبر بالنبي دون أسمه صلى الله تعالى عليه وسلم على خلاف الغالب في حكايته تعالى عن أنبيائه عليهم السلام إشعارا بما أختص به من مزيد الفخامة والكرامة وعلو القدر وأكد ذلك الإشعار بأل التي للغلبة إشارة إلى أنه المعروف

الصفحة 75