كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

الحقيق بهذا الوصف وقال بعض الأجلة : إن ذاك للأشعار بعلة الحكم ولم يعبر بالرسول بدله ليوافق ما قبله من قوله تعالى وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله لأن الرسالة أفضل من النبوة على الصحيح الذي عليه الجمهور خلافا للعز بن عبدالسلام فتعليق الحكم بها لا يفيد قوة إستحقاقه عليه الصلاة و السلام للصلاة بخلاف تعليقه بما هو دونها مع وجودها فيه وهو معنى دقيق فلا تسارع إلى الإعتراض عليه وإضافة الملائكة للإستغراق
وقيل : ملائكته ولم يقل الملائكة إشارة إلى عظيم قدرهم ومزيد شرفهم بإضافتهم إلى الله تعالى وذلك مستلزم لتعظيمه صلى الله تعالى عليه وسلم بما يصل إليه منهم من حيث أن العظيم لا يصدر منه إلا عظيم ثم فيه التنبيه على كثرتهم وأن الصلاة من هذا الجمع الكثير الذي لا يحيط بمنتهاه غير خالقه واصلة إليه صلى الله تعالى عليه وسلم على ممر الأيام والدهور مع تجددها كل وقت وحين وهذا أبلغ تعظيم وأنهاه وأشمله وأكمله وأزكاه
وأختلفوا في معنى الصلاة من الله تعالى وملائكته عليهم السلام على نبيه صلى الله تعالى عليه وسلم على أقوال فقيل : هي منه عزوجل ثناؤه عليه عند ملائكته وتعظيمه ورواه البخاري عن أبي العالية وغيره عن الربيع بن أنس وجرى عليه الحليمي في شعب الإيمان وتعظيمه تعالى إياه في الدنيا بإعلاء ذكره وإظهار دينه وإبقاء العمل بشريعته وفي الآخرة بتشفيعه في أمته وأجزال أجره ومثوبته وإبداء فضله للأولين والآخرين بالمقام المحمود وتقديمه على كافة المقربين الشهود وتفسيرها بذلك لا ينافي عطف غيره كالآل والأصحاب عليه لأن تعظيم كل أحد بحسب ما يليق به وهي من الملائكة الدعاء له عليه الصلاة و السلام على ما رواه عبد بن حميد وإبن أبي حاتم عن أبي العالية وقيل : هي منه تعالى رحمته عزوجل ونقله الترمذي عن الثوري وغير واحد من أهل العلم ونقل عن أبي العالية أيضا وعن الضحاك وجرى عليه المبرد وإبن الأعرابي والإمام الماوردي وقال : إن ذلك أظهر الوجوه
وأعترض بما مر عند الكلام في قوله تعالى هو الذي يصلي عليكم وملائكته والجواب هو الجواب وبأن الصحابة رضي الله تعالى عنهم سألوا كما سيأتي قريبا إن شاء الله تعالى لما نزلت عن كيفية الصلاة فلو لم يكونوا فهموا المغايرة بينها وبين الرحمة ما سألوا عن كيفيتها مع كونهم علموا الدعاء بالرحمة في التشهد وأجيب بأنها رحمة خاصة فسألوا عن الكيفية ليحيطوا علما بذلك الخصوص وهي من الملائكة كما سمعت أولا ويلزم على هذا وذلك إستعمال اللفظ في معنيين ولا يجوزه كثير كالحنفية والقائلون بأحد القولين الذين لا يجوزون الإستعمال المذكور أختلفوا في التقصي عن ذلك في الآية فقال بعضهم : في الآية حذف والأصل إن الله يصلي وملائكته يصلون فيكون قد أدى كل معنى بلفظ وقال آخر : تعدد الفاعل صير الفعل كالمتعدد وقال صدر الشريعة يجوز أن يكون المعنى واحدا حقيقا وهو الدعاء والمعنى والله تعالى أعلم أنه تعالى يدعو ذاته والملائكة بإيصال الخير وذلك في حقه تعالى بالرحمة وفي حق الملائكة بالإستغفار وفيه دغدغة لا تخفي وقال جمع من المحققين : يتقصى عن ذلك بعموم المجاز فيراد معنى مجازي عام يكون كل من المعاني فردا حقيقيا له وهو الإعتناء بما فيه خيره صلى الله تعالى عليه وسلم وصلاح أمره وإظهار شرفه وتعظيم شأنه أو الترحم والإنعطاف المعنوي
وقال بعض الأجلة : إن معنى الصلاة يختلف بإعتبار حال المصلي والمصلي له والمصلي عليه والأولى أنها موضوعة هنا للقدر المشترك وهو الإعتناء بالمصلي عليه أو إرادة وصول الخير وقال آخر : الصواب أن الصلاة لغة بمعنى واحد وهو العطف ثم هو بالنسبة إليه تعالى الرحمة وإلى الملائكة عليهم السلام الإستغفار

الصفحة 76