كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

وإلى الآدميين الدعاء وتعقب بأن العطف بمعناه الحقيقي مستحيل عليه تعالى فيلزم من إعتباره مسندا إليه تعالى وإلى الملائكة عليهم السلام ما يلزم وأجيب بأنا لا نسلم الإستحالة إلا إذا كان العطف في الغائب كالعطف في الشاهد لا يتحقق إلا بقلب ونحوه من صفات الأجسام المستحيلة عليه سبحانه ونحن من وراء المنع فكثير مما في الشاهد شيء وهو في الله تعالى وراء ذلك ويسند إليه سبحانه على الحقيقة كالسمع والبصر وكذا الإرادة
وقد ذهب السلف إلى عدم تأويل الرحمة فيه تعالى بأحد التأويلين المشهورين مع أنها في الشاهد لا تتحقق إلا بما يستحيل عليه تعالى ولو أوجب ذلك التأويل لم يبق بأيدينا غير محتاج إليه إلا قليل وقد تقدم ما يتعلق بهذا المطلب في غير موضع من هذا الكتاب وقد يختار أن الصلاة هنا تعظيم لشأنه صلى الله تعالى عليه وسلم يقارنه عطف لائق به تعالى وبملائكته وإذا أنسحبت عليه عليه الصلاة و السلام وعلى أحد من المؤمنين تعلقت بكل حسبما يليق به وجمع الله سبحانه والملائكة في ضمير واحد لا ينافي قوله عليه الصلاة و السلام لمن قال : من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى بئس خطيب القوم أنت قل ومن يعص الله ورسوله لأن ذلك منه تعالى محض تشريف للملائكة عليهم السلام لا يتوهم منه نقص ولذا قيل إذا صدر مثله عن معصوم قيل كما في قوله صلى الله تعالى عليه وسلم لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وقال بعضهم : لا بأس بذلك مطلقا وذم الخطيب لأنه وقف على يعصهما وسكت سكتة وأستدل بخبر لأبي داؤد وقيل يقبح إذا كان في جملتين كما في كلام الخطيب ولا يقبح إذا كان في واحدة كما في الآية وكلام الحبيب عليه الصلاة و السلام وفيه بحث وقرأ إبن عباس وعبدالوارث عن أبي عمرو وملائكته بالرفع فعند الكوفيين غير الفراء هو عطف على محل أن وأسمها والفراء يشترط في العطف على ذلك خفاء إعراب أسم إن كما في قوله تعالى إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون وكما في قول الشاعر : ومن يك أمسى في المدينة رحله فإني وقيار بها لغريب وهل خفاء الإعراب شامل للأسم المقصور والمضاف للياء أو خاص بالمبني فيه خلاف وعند البصريين والفراء هو مبتدأ وجملة يصلون خبره وخبر إن محذوف ثقة بدلالة ما بعد عليه أي إن الله يصلي وملائكته يصلون ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه أي عظموا شأنه عاطفين عليه فإنكم أولى بذلك وظاهر سوق الآية أنه لا يجاب إقتدائنا به تعالى فيناسب إتحاد المعنى مع إتحاد اللفظ وقراءة إبن مسعود صلوا عليه كما صلى عليه وكذا قراءة الحسن فصلوا عليه أظهر فيما ذكر فيبعد تفسير صلوا عليه بقولوا : اللهم صل على النبي أو نحوه
ومن فسره بذلك أراد أن المراد بالتعظيم المأمور به ما يكون بهذا اللفظ ونحوه مما يدل على طلب التعظيم لشأنه عليه الصلاة و السلام من الله عزوجل لقصور وسع المؤمنين عن أداء حقه عليه الصلاة و السلام
وما جاء في الأخبار إرشاد إلى كيفية ذلك وصفته لا أنه تفسير للفظ صلوا وجاء ذلك على عدة أوجه والجمع ظاهر
أخرج عبدالرزاق وإبن أبي شيبة والإمام أحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وأبو داؤد والترمذي والنسائي وإبن ماجه وإبن مردويه عن كعب بن عجرة رضي الله تعالى عنه قال : قال رجل : يارسول الله أما السلام عليك فقد علمناه فكيف الصلاة عليك قال : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد

الصفحة 77