كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

ويكفي اللهم صل على محمد لأنه الذي أتفقت عليه الروايات في بيان الكيفية وكأن خصوصية الإنشاء لفظا ومعنى غير لازمة ولذا قال بعض من أوجبها في الصلاة وستعلمه إن شاء الله تعالى : إنه كما يكفي اللهم صل على محمد ولا يتعين اللفظ الوارد خلافا لبعضهم يكفي صلى الله على محمد على الأصح بخلاف الصلاة على رسول الله فإنه لا يجزي إتفاقا لأنه ليس فيه إسناد الصلاة إلى الله تعالى فليس في معنى الوارد وفي تحفة إبن حجر يكفي الصلاة على محمد إن نوى بها الدعاء فيما يظهر وقال النيسابوري : لا يكفي صليت على محمد لأن مرتبة العبد تقصر عن ذلك بل يسأل ربه سبحانه أن يصلي عليه عليه الصلاة و السلام وحينئذ فالمصلي عليه حقيقة هو الله تعالى وتسمية العبد مصليا عليه مجلز عن سؤاله الصلاة من الله تعالى عليه صلى الله تعالى عليه وسلم فتأمله
وذكروا أن الإتيان بصيغة الطلب أفضل من الإتيان بصيغة الخبر وأجيب عن إطباق المحدثين على الإتيان بها فإنه مما أمرنا به من تحديث الناس بما يعرفون إذ كتب الحديث يجتمع عند قراءتها أكثر العوام فخيف أن يفهموا من صيغة الطلب أن الصلاة عليه صلى الله تعالى عليه وسلم لم توجد من الله عزوجل بعد وإلا لما طلبنا حصولها له عليه صلاة الله تعالى وسلامه فأتى بصيغة يتبادر إلى إفهامهم منها الحصول وهي مع إبعادها إياهم من هذه الورطة متضمنة للطلب الذي أمرنا به إنتهى ولا يخفى ضعفه فالأولى أن يقال : إن ذلك لأن تصليتهم في الأغلب في أثناء الكلام الخبري نحو قال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كذا وفعل صلى الله تعالى عليه وسلم كذا فأحبوا أن لا كيثر الفصل وأن لا يكون الكلام على أسلوبين لما في ذلك من الخروج عن الجادة المعروفة إذ قلما تجد في الفصيح توسط جملة دعائية إلا وهي خبرية لفظا مع إحتمال تشوش ذهن السامع وبطء فهمه وحسن الإفهام مما تحصل مراعاته فتدبر
والظاهر أنه لا يحصل الإمتثال باللهم عظم محمدا التعظيم اللائق ونحوه مما ليس فيه مشتق من الصلاة كصل وصلى فإنا لم نسمع أحدا عد قائل ذلك مصليا عليه وذلك في غاية الظهور إذا كان قولوا اللهم صل على محمد تفسيرا لقوله تعالى : صلوا عليه وسلموا تسليما 65 أي وقولوا والسلام عليك أيها النبي ونحوه وهذا ما عليه أكثر العلماء الأجلة وفي معنى السلام عليك ثلاثة أوجه أحدها السلامة من النقائص والآفات لك ومعك أي مصاحبة وملازمة فيكون السلام مصدرا بمعنى السلامة كاللذاذ واللذاذة والملام والملامة ولما في السلام من الثناء عدى بعلي لا لإعتبار معنى القضاء أي قضى الله تعالى عليك السلام كما قيل لأن القضاء كالدعاء لا يتعدى بعلي للنفع ولا لتضمنه معنى الولاية والإستيلاء لبعده في هذا الوجه ثانيها السلام مداوم على حفظك ورعايتك ومتول له وكفيل به ويكون السلام هنا أسم الله تعالى ومعناه على ما أختاره إبن فورك وغيره من عدة أقوال ذو السلامة من كل آفة ونقيصة ذاتا وصفة وفعلا وقيل : إذا أريد بالسلام ما هو من أسمائه تعالى فالمراد لا خلوت من الخير والبركة وسلمت من كل مكروه لأن أسم الله تعالى إذا ذكر على شيء أفاده ذلك
وقيل : الكلام على هذا التقدير على حذف المضاف أي حفظ الله تعالى عليك والمراد الدعاء بالحفظ وثالثها الإنقياد عليك على أن السلام من المسالمةوعدم المخالفة والمراد الدعاء بأن يصير الله تعالى العباد منقادين مذعنين له عليه الصلاة و السلام ولشريعته وتعديته بعلي قيل : لما فيه من الإقبال فإن من إنقاد لشخص وأذعن له فقد

الصفحة 79