كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

المؤمنون بهما قيل لأن للسلام معنيين التحية والإنقياد فأمرنا بهما لصحتهما هنا ولم يضف لله سبحانه والملائكة لئلا يتوهم إنه في الله تعالى والملائكة يعني الإنقياد المستحيل في حقه تعالى وكذا في حق الملائكة وقيل : الصلاة من الله سبحانه والملائكة متضمنة للسلام بمعنى التحية الذي لا يتصور غيره فكان في إضافة الصلاة إليه تعالى وإلى الملائكة إستلزام لوجود السلام بهذا المعنى وأما الصلاة منا فهي وإن أستلزمت التيحة أيضا إلا أنا مخاطبون بالإنقياد وهي لا تستلزمه فأحتيج إلى التصريح به فينا لأن الصلاة لا تغني عن معنييه المتصورين في حقنا المطلوبين منا ثم قيل : وهذا أولى مما قبله لأن ذلك يرد عليه قوله تعالى : سلام على إبراهيم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم ولا يرد هذان على هذا وفيه بحث
وقال الشهاب الخفاجي عليه الرحمة : قد لاح لي في ترك تأكيد السلام وتخصيصه بالمؤمنين نكتة سرية وهي أن السلام عليه عليه الصلاة و السلام تسليمه عما يؤذيه فلما جاءت هذه الآية عقيب ذكر ما يؤذي النبي والأذية إنما هي من البشر وقد صدرت منهم فناسب التخصيص بهم والتأكيد وربما يقال على بعد في ذلك : إنه يمكن أن يكون سلام الله تعالى وملائكته عليه عليه الصلاة و السلام معلوما للمؤمنين قبل نزول الآية فلم يذكر ويسلمون فيها لذلك وأن كونهم مأمورين بأن يسلموا عليه كان أيضا معلوما لهم ككيفية السلام ويؤذن بهذه المعلومية ما ورد في عدة أخبار أنهم قالوا عند نزول الآية : يارسول الله قد علمنا كيف نسلم عليك وعنوا بذلك على ما قيل ما في التشهد من السلام فلما أخبروا بصلاة الله تعالى وملائكته عليه في الآية مجردة عن ذكر السلام وأردف ذلك بالأمر بالصلاة كان مظنة عدم الإعتناء بأمر السلام أو أنه نسخ طلبه منهم فأمروا به مؤكدا دفعا لتوهم ذلك والله تعالى أعلم بحقيقة الحال والأمر في الآية عند الأكثرين للوجوب بل ذكر بعضهم إجماع الأئمة والعلماء عليه ودعوى محمد بن جرير الطبري أنه للندب بالإجماع مردودة أو مؤولة بالحمل على ما زاد على مرة واحدة في العمر فقد قال القرطبي المفسر : لا خلاف في وجوب الصلاة في العمر مرة وتفصيل الكلام في أمرها بعد الغاء القول بندبها أن العلماء أختلفوا فيها فقيل : واجبة مرة في العمر ككلمة التوحيد لأن الأمر مطلق لا يقتضي تكرارا والماهية تحصل بمرة وعليه جمهور الأمة منهم أبو حنيفة ومالك وغيرهما وقيل : واجبة في التشهد مطلقا وقيل : واجبة في مصلق الصلاة وتفرد بعض الحنابلة بتعين دعاء الإفتتاح بها
وقيل : يجب الإكثار منها من غير تعيين بعدد وحكى ذلك عن القاضي أبي بكر بن بكير وقيل : تجب في كل مجلس مرة وإن تكرر ذكره مرارا وقيل : تجب في كل دعاء وقيل : تجب كلما ذكر عليه الصلاة و السلام وبه قال جمع من الحنفية منهم الطحاوي وعبارته تجب كلما سمع ذكره من غيره أو ذكره بنفسه وجمع من الشافعية منهم الإمام الحليمي والأستاذ أبو إسحاق الأسفرايني والشيخ أبو حامد الأسفرايني وجمع من المالكية منهم الطرطوشي وإبن العربي والفاكهاني وبعض الحنابلة قيل وهو مبني على القول الضعيف في الأصول أن الأمر المطلق يفيد التكرار وليس كذلك بل له أدلة أخرى كالأحاديث التي فيها الدعاء بالرغم والأبعاد والشقاء والوصف بالبخل والجفاء وغير ذلك مما يقتضي الوعيد وهو عند الأكثر من علامات الوجوب وأعترض هذا القول كثيرون بأنه مخالف للأجماع المنعقد قبل قائله إذ لم يعرف عن صحابي ولا

الصفحة 81