كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

أصحابه بعدة أحاديث منها الصحيح ومنها الضعيف وألفوا الرسائل في الإنتصار له والرد على من شنع عليه كإبن جرير وإبن المنذر والخطابي والطحاوي وغيرهم وأنا أرى التشنيع على مثل هذا الإمام شنيعا والتعصب مع قلة التتبع أمرا فظيعا والكلام في السلام كالكلام في الصلاة
وقد صرح إبن فارس اللغوي بأنهما سيان في الفرضية لأن كلا منهما مأمور به في الآية والأمر للوجوب حقيقة إلا إذا ورد ما يصرفه عنه وأفضل الكيفيات في الصلاة عليه صلى الله تعالى عليه وسلم ما علمه رسول الله عليه الصلاة و السلام لأصحابه بعد سؤالهم إياه لأنه لا يختار صلى الله تعالى عليه وسلم لنفسه إلا الأشرف والأفضل ومن هنا قال النووي في الروضة : لو حلف ليصلين على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أفضل الصلاة لم يبر إلا بتلك الكيفية ووجهه السبكي بأن من أتى بها فقد صلى الصلاة المطلوبة بيقين وكان له الخير الوارد في أحاديث الصلاة كذلك ونقل الرافعي عن المروزي أنه يبر باللهم صل على محمد وآل محمد كلما ذكرك الذاكرون وكلما سها عنه الغافلون وقال القاضي حسين : طريق البر اللهم صل على محمد كما هو أهله ومستحقه وأختار البارزي أن الأفضل اللهم صل على محمد وعلى آل محمد أفضل صلواتك وعدد معلوماتك وقال الكمال بن الهمام : كلما ذكر من الكيفيات موجود في اللهم صل أبدا أفضل صلواتك على سيدنا عبدك ونبيك ورسولك محمد وآله وسلم عليه تسليما وزده شرفا وتكريما وأنزله المنزل المقرب عندك يوم القيامة وأختار إبن حجر الهيثمي غير ذلك ونقل إبن عرفة عن إبن عبدالسلام أنه لا بد في السلام عليه صل الله تعالى عليه وسلم أن يزيد تسليما كأن يقول : اللهم صل على محمد وسلم تسليما أو صلى الله تعالى عليه وسلم تسليما وكأنه أخذ بظاهر ما في الآية وليس أخذا صحيحا كما يظهر بأدنى تأمل ونقل عن جمع من الصحابة ومن بعدهم أن كيفية الصلاة عليه صلى الله تعالى عليه وسلم لا يوقف فيها مع المنصوص وأن من رزقه الله تعالى بيانا فأبان عن المعاني بالألفاظ الفصيحة المباني الصريحة المعاني مما يعرب عن كمال شرفه صلى الله تعالى عليه وسلم وعظيم حرمته فله ذلك وأحتج له بما أخرجه عبدالرزاق وعبد بن حميد وإبن ماجه وإبن مردويه عن إبن مسعود رضي الله تعالى عنه قال : إذا صليتم على النبي فأحسنوا الصلاة عليه فإنكم لا تدرون لعل ذلك يعرض عليه قالوا : فعلمنا قال : قولوا اللهم أجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على سيد المرسلين وإمام المتقين وخاتم النبيين محمد عبدك ورسولك إمام الخير وقائد الخير ورسول الرحمة اللهم أبعثه مقاما محمودا يغبطه به الأولون والآخرون اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد وفي قوله سبحانه : صلوا عليه وسلموا تسليما رمز خفي فيما أرى إلى مطلوبية تحسين الصلاة عليه عليه الصلاة و السلام حيث أتى به كلاما يصلح أن يكون شطرا من البحر الكامل فتدبره فأني أظن أنه نفيس وأستدل النووي رحمه الله تعالى بالآية على كراهة إفراد الصلاة عن السلام وعكسه لورود الأمر بهما معا فيها ووافقه على ذلك بعضهم وأعترض بأن أحاديث التعليم تؤذن بتقدم تعليم التسليم على تعليم الصلاة فيكون قد أفرد التسليم مرة قبل الصلاة في التشهد ورد بأن الأفراد في ذلك الزمن لا حجة فيه لأنه لم يقع منه عليه الصلاة و السلام قصدا كيف والآية ناصة عليهما وإنما يحتمل أنه علمهم السلام وظن أنهم يعلمون الصلاة فسكت عن تعليمهم إياها فلما سألوه أجابهم صلى الله تعالى عليه وسلم لذلك وهو كما ترى وذكر العلامة إبن حجر الهيثمي أن الحق أن المراد بالكراهة خلاف الأولى إذ لم يوجد مقتضيها من النهي المخصوص
ونقل الحموي من أصحابنا عن منية المفتي أنه لا يكره عندنا أفراد أحدهما عن الآخر ثم قال نقلا عن العلامة

الصفحة 83