كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

ميرك وهذا الخلاف في حق نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم وأما غيره من الأنبياء عليهم السلام فلا خلاف في عدم كراهة الأفراد لأحد من العلماء ومن أدعى ذلك فعليه أن يورد نقلا صريحا ولا يجد إليه سبيلا إنتهى
وصرح بعضهم أن الكراهة عند من يقول بها إنما هي في الأفراد لفظا وأما الأفراد خطاكما وقع في الأم فلا كراهة فيه وعندي أن الإستدلال بالآية على كراهة الأفراد حسبما سمعت في غاية الضعف إذ قصارى ما تدل عليه أن كلا من الصلاة والتسليم مأمور به مطلقا ولا تدل على الأمر بالإتيان بهما في زمان واحد كأن يؤتى بهما مجموعين معطوفا أحدهما على الآخر فمن صلى بكرة وسلم عشيا مثلا فقد إمتثل الأمر فإنها نظير قوله تعالى : أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأذكورا الله ذكرا كثيرا وسبحوه إلى غير ذلك من الأوامر المتعاطفة نعم درج أكثر السلف على الجمع بينهما فلا أستحسن العدول عنه مع ما في ذكر السلام بعد الصلاة من السلامة من توهم لا يكاد يعرض إلا للأذقان السقيمة كما لا يخفى وفي دخوله صلى الله تعالى عليه وسلم في الخطاب بيا أيها الذين آمنوا هنا خلاف فقال بعضهم بالدخول وقد صرح بعض أجلة الشافعية بوجوب الصلاة عليه صلى الله تعالى عليه وسلم في صلاته وذكر أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان يصلي على نفسه خارجها كما هو ظاهر أحاديث كقوله حين ضلت ناقته وتكلم منافق فيها إن رجلا من المنافقين شمت أن ضلت ناقة رسول الله وقوله حين عرض على المسلمين رد ما أخذه من أبي العاص زوج إبنته زينب قبل إسلامه وإن زينب بنت رسول الله سألتني الحديث فذكر التصلية والتسليم على نفسه بعد ذكره وإحتمال أن ذلك في الحديثين من الراوي بعيد جدا
وتوقف بعضهم في دخوله من حيث أن قرينة سياق ياأيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلى هنا ظاهرة في إختصاص هذا الحكم بالمؤمنين دونه صلى الله تعالى عليه وسلم ونظر فيه بأن ما قبل هذه الآية صريح في إختصاصه بالمؤمنين وأما هي فلا قرينة فيها على الإختصاص وأنت تعلم أن للأصوليين في دخوله في نحو هذه الصيغة أقوالا عدمه مطقا وهو شاذ ودخوله مطلقا وهو الأصح على ما قال جمع والدخول إلا فيما صدر بأمره بالتبليغ نحو قل ياأيها الذين آمنوا وأنا أعول على الدخول إلا إذا وجدت قرينة على عدم الدخول سواء كانت الأمر بالتبليغ أولا وههنا السباق والسياق قرينتان على عدم الدخول فيما يظهر وعبر بالذين آمنوا دون الناس الشامل للكفار قيل : إشارة إلى أن الصلاة عليه صلى الله تعالى عليه وسلم من أجل الوسائل وأنفعها والكافر لا وسيلة له فلم يؤت بلفظ يشمله ومخاطبة الكفار بالفروع على القول بها بالنسبة لعقابهم عليها في الآخرة فحسب على أن محل تكليفهم بها حيث أجمع عليها ومن ثم أستثنى من مخاطبتهم بها معاملتهم الفاسدة ونحوها
ولعل الأولى أن التعبير بذلك لما ذكر مع إقتضاء السياق له وفي نداء المؤمنين بهذا الأسلوب من حثهم على إمتثال الأمر ما لا يخفى والأمر بالصلاة والتسليم من خواص هذه الأمة فلم تؤمر أمة غيرها بالصلاة والتسليم على نبيها
وكان ذلك على ما نقل عن أبي ذر الهروي في السنة الثانية من الهجرة وقيل : كان في ليلة الإسراء وأنت تعلم أن الآية مدنية وأخرج عبد بن حميد وإبن المنذر عن مجاهد أنها لما نزلت قال أبو بكر : ما أنزل الله عليك خيرا إلا أشركنا فيه فنزلت هو الذي يصلي عليكم وملائكته وحكمة تغاير أسلوبي الآيتين ظاهرة على المتأمل والصلاة منا على الأنبياء ما عدا نبينا عليه وعليهم الصلاة والسلام جائزة بلا كراهة فقد جاء بسند صحيح على ما قاله المجد اللغوي إذا صليتم على المرسلين فصلوا على معهم فإني رسول من المرسلين وفي لفظ إذا سلمتم علي فسلموا على المرسلين وللأول طريق أخرى إسنادها حسن جيد لكنه مرسل

الصفحة 84