كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

وأخرج عبدالرزاق والقاضي إسماعيل وإبن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : صلوا على أنبياء الله ورسله فإن الله تعالى بعثهم كما بعثني وهو وإن جاء من طرق ضعيفة يعمل به في مثل هذا المطلب كما لا يخفى وأما ما حكى عن مالك من أنه لا يصلي على غير نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم من الأنبياء فأوله أصحابه بأن معناه إنا لم نتعبد بالصلاة عليهم كما تعبدنا بالصلاة عليه صلى الله تعالى عليه وسلم والصلاة على الملائكة قيل لا يعرف فيها نص وإنما تؤخذ من حديث أبي هريرة المذكور آنفا إذا ثبت أن الله تعالى سماهم رسلا وأما الصلاة على غير الأنبياء والملائكة عليهم السلام فقد أضطربت فيها أقوال العلماء فقيل تجوز مطلقا قال القاضي عياض وعليه عامة أهل العلم وأستدل له بقوله تعالى هو الذي يصلي عليكم وملائكته وبما صح من قوله صلى الله تعالى عليه وسلم اللهم صل على آل أبي أوفى وقوله عليه الصلاة و السلام وقد رفع يديه : اللهم أجعل صلواتك ورحمتك على آل سعد بن عبادة وصحح إبن حبان خبر إن أمرأة قالت للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم : صل علي وعلى زوجي ففعل وفي خبر مسلم أن الملائكة تقول لروح المؤمن : صلى الله عليك وعلى جسدك وبه يرد على الخفاجي قوله في شرح الشفاء صلاة الملائكة على الأمة لا تكون إلا بتبعيته صلى الله تعالى عليه وسلم وقيل لا تجوز مطلقا وقيل لا تجوز إستقلالا وتجوز تبعا فيما ورد فيه النص كالآل أو الحق به كالأصحاب وأختاره القرطبي وغيره وقيل تجوز تبعا مطلقا ولا تجوز إستقلالا ونسب إلى أبي حنيفة وجمع وفي تنوير الأبصار ولا يصلي على غير الأنبياء والملائكة إلا بطريق التبع وهو محتمل لكراهة الصلاة بدون تبع تحريما ولكراهتها تنزيها ولكونها خلاف الأولى لكن ذكر البيري من الحنفية من صلى على غيرهم أثم وكره وهو الصحيح وفي رواية عن أحمد كراهة ذلك إستقلالا ومذهب الشافعية أنه خلاف الأولى وقال اللقاني : قال القاضي عياض الذي ذهب إليه المحققون وأميل إليه ما قاله مالك وسفيان وأختاره غير واحد من الفقهاء والمتكلمين أنه يجب تخصيص النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وسائر الأنبياء بالصلاة والتسليم كما يختص الله سبحانه عند ذكره بالتقديس والتنزيه ويذكر من سواهم بالغفران والرضا كما قال تعالى رضي الله عنهم ورضوا عنه يقولون ربنا أغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان وأيضا فهو أمر لم يكن معروفا في الصدر الأول وإنما أحدثه الرافضة في بعض الأئمة والتشبه بأهل البدع منهي عنه فتجب مخالفتهم إنتهى ولا يخفى أن كراهة التشبه بأهل البدع مقررة عندنا أيضا لكن لا مطلقا بل في المذموم وفيما قصد به التشبه بهم فلا تغفل وجاء عن عمر بن عبدالعزيز بسند حسن أو صحيح أنه كتب لعامله إن ناسا من القصاص قد أحدثوا في الصلاة على حلفائهم ومواليهم عدل صلاتهم على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فإذا جاءك كتابي هذا فمرهم أن تكون صلاتهم على النبيين خاصة ودعاؤهم للمسلمين عامة ويدعوا ما سوى ذلك
وصح عن إبن عباس أنه قال : لا تنبغي الصلاة من أحد على أحد إلا على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وفي رواية عنه ما أعلم الصلاة تنبغي على أحد من أحد إلا على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ولكن يدعى للمسلمين والمسلمات بالإستغفار وكلاهما يحتمل الكراهة والحرمة وأستدل المانعون بأن لفظ الصلاة صار شعارا لعظم الأنبياء وتوقيرهم فلا تقال لغيرهم إستقلالا وإن صح كما لا يقال محمد عزوجل وإن كان عليه الصلاة

الصفحة 85