كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

والسلام عزيزا جليلا لأن هذا الثناء صار شعارا لله تعالى فلا يشارك فيه غيره وأجابوا عما مر بأنه صدر من الله تعالى ورسوله عليه الصلاة و السلام ولهما أن يخصا من شاءا بما شاءا وليس ذلك لغيرهما إلا بإذنهما ولم يثبت عنهما إذن في ذلك ومن ثم قال أبو اليمن بن عساكر له صلى الله تعالى عليه وسلم أن يصلي على غيره مطلقا لأنه حقه ومنصبه فله التصرف فيه كيف شاء بخلاف أمته إذ ليس لهم أن يؤثروا غيره بما هوله لكن نازع فيه صاحب المعتمد من الشافعية بأنه لا دليل على الخصوصية وحمل البيهقي بالمنع على ما إذا جعل ذلك تعظيما وتحية وبالجواز عليها إذا كان دعاء وتبركا وأختار بعض الحنابلة أن الصلاة على الآل مشروعة تبعا وجائزة إستقلالا وعلى الملائكة وأهل الطاعة عموما جائزة أيضا وعلى معين شخص أو جماعة مكروهة ولو قيل بتحريمها لم يبعد سيما إذا جعل ذلك شعارا له وحده دون مساويه ومن هو خير منه كما تفعل الرافضة بعلي كرم الله تعالى وجهه ولا بأس بها أحيانا كما صلى عليه الصلاة و السلام على المرأة وزوجها وكما صلى عليه الصلاة و السلام على علي وعمر رضي الله تعالى عنهما لما دخل عليه وهو مسجى ثم قال : وبهذا التفصيل تتفق الأدلة وأنت تعلم إتفاقها بغير ما ذكر والسلام عند كثير فيما ذكر وفي شرح الجوهرة للقاني نقلا عن الإمام الجويني أنه في معنى الصلاة فلا يستعمل في الغائب ولا يفرد به غير الأنبياء عليهم السلام فلا يقال علي عليه السلام بل يقال رضي الله تعالى عنه وسواء في هذا الأحياء والأموات إلا في الحاضر فيقال السلام أو سلام عليك أو عليكم وهذا مجمع عليه إنتهى وفي حكاية الإجماع على ذلك نظر
وفي الدر المنضود السلام كالصلاة فيما ذكر إلا إذا كان لحاضر أو تحية لحي غائب وفرق آخرون بأنه يشرع في حق كل مؤمن بخلاف الصلاة وهو فرق بالمدعي فلا يقبل ولا شاهد في السلام علينا وعلى عبادالله الصالحين لأنه وارد في محل مخصوص وليس غيره في معناه على أن ما فيه وقع تبعا لا إستقلالا
وحقق بعضهم فقال ما حاصله مع زيادة عليه السلام الذي يعم الحي والميت هو الذي يقصد به التحية كالسلام عند تلاق أو زيارة قبر وهو مستدع للرد وجوب كفاية أو عين بنفسه في الحاضر ورسوله أو كتابه في الغائب وأما السلام الذي يقصد به الدعاء منا بالتسليم من الله تعالى على المدعو له سواء كان بلفظ غيبة أو حضور فهذا هو الذي أختص به صلى الله تعالى عليه وسلم عن الأمة فلا يسلم على غيره منهم إلا تبعا كما أشار إليه التقي السبكي في شفاء الغرام وحينئذ فقد أشبه قولنا عليه السلام قولنا عليه الصلاة من حيث أن المراد عليه السلام من الله تعالى ففيه إشعار بالتعظيم الذي في الصلاة من حيث الطلب لأن يكون المسلم عليه الله تعالى كما في الصلاة وهذا النوع من السلام هو الذي أدعى الحليمي كون الصلاة بمعناه إنتهى
وأختلف في جواز الدعاء له صلى الله تعالى عليه وسلم بالرحمة فذهب إبن عبدالبر إلى منع ذلك ورد بوروده في الأحاديث الصحيحة منها وهو أصحها حديث التشهد السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ومنها قول الأعرابي : اللهم أزحمني ومحمدا وتقريره لذلك وقوله : اللهم إني أسألك رحمة من عندك اللهم أرجو رحمتك ياحي ياقيوم برحمتك أستغيث وفي خطبة رسالة الشافعي ما لفظه ورحم وكرم نعم قضية كلامه كحديث التشهد أن محل الجواز إن ضم إليه لفظ الصلاة أو السلام وإلا لم يجز وقد أخذ به جمع منهم الجلال السيوطي بل نقله القاضي عياض في الإكمال عن الجمهور قال القرطبي : وهو الصحيح وجزم

الصفحة 86