كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

بعدم جوازه منفردا الغزالي عليه الرحمة فقال : لا يجوز ترحم على النبي ويدل له قوله تعالى لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا والصلاة وإن كانت بمعنى الرحمة إلا أن الأنبياء خصوا بها تعظيما لهم وتمييزا لمرتبتهم الرفيعة على غيرهم على أنها في حقهم ليست بمعنى مطلق الرحمة بل المراد بها ما هو أخص من ذلك كما سمعت فيما تقدم
نعم ظاهر قول الأعرابي السابق وتقريره عليه الصلاة و السلام له الجواز ولو بدون إنضمام صلاة أو سلام
قال إبن حجر الهيثمي : وهو الذي يتجه وتقريره المذكور خاص فيقدم على العموم الذي أقتضته الآية ثم قال : وينبغي حمل قول من قال لا يجوز ذلك على أن مرادهم نفي الجواز المستوي الطرفين فيصدق بأن ذلك مكروه أؤ خلاف الأولى وذكر زين الدين في بحره أنهم أتفقوا على أنه لا يقال إبتداء رحمه الله تعالى وأنا أقول : الذي ينبغي أن لا يقال ذلك إبتداء
وقال الطحطاوي في حواشيه على الدر المختار : وينبغي أن لا يجوز غفر الله تعالى له أو سامحه لما فيه من إيهام النقص وهو الذي أميل إليه وإن كان الدعاء بالمغفرة لا يستلزم وجوب ذنب بل قد يكون بزيادة درجات كما يشير إليه إستغفاره عليه الصلاة و السلام في اليوم والليلة مائة مرة وكذا الدعاء بها للميت الصغير في صلاة الجنازة ومثل ذلك فيما يظهر عفا الله تعالى عنه وإن وقع في القرآن فإن الله تعالى له أن يخاطب عبده بما شاء وأرى حكم الترحم على الملائكة عليهم السلام كحكم الترحم عليه صلى الله تعالى عليه وسلم ومن أختلف في نبوته كلقمان يقال فيه رضي الله تعالى عنه أو صلى الله تعالى على الأنبياء وعليه وسلم هذا وقد بقيت في هذا المقام أبحاث كثيرة يطول الكلام بذكرها جدا فلتطلب من مظانها والله تعالى ولي التوفيق وبيده سبحانه أزمة التحقيق
إن الذين يؤذون الله ورسوله أريد بالإيذاء إما إرتكاب ما لا يرضيانه من الكفر وكبائر المعاصي مجازا لأنه سبب أو لازم له وإن كان ذلك بالنظر إليه تعالى بالنسبة إلى غيره سبحانه فإنه كاف في العلاقة وقيل في إيذائه تعالى : هو قول اليهود والنصارى والمشركين يد الله مغلولة والمسيح إبن الله والملائكة بنات الله والأصنام شركاؤه تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا وقيل قول الذين يلحدون في آياته سبحانه وقيل تصوير التصاوير وروى عن كعب ما يقتضيه وقيل في إيذاء الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم هو قولهم : شاعر ساحر كاهن مجنون وحاشاه عليه الصلاة و السلام وقيل هو كسر رباعيته وشج وجهه الشريف وكان ذلك في غزوة أحد وقيل طعنهم في نكاح صفية بنت حيي والحق هو العموم فيهما وإما إيذاؤه عليه الصلاة و السلام خاصة بطريق الحقيقة وذكر الله عزوجل لتعظيمه صلى الله تعالى عليه وسلم ببيان قربه وكونه حبيبه المختص به حتى كان ما يؤذيه سبحانه كما أن من يطيعه يطيع الله تعالى
وجوز أن يكون الإيذاء على حقيقته والكلام على حذف مضاف أي يؤذون أولياء الله ورسوله وليس بشيء وقيل يجوز أن يراد منه المعنى المجازي بالنسبة إليه تعالى والمعنى الحقيقي بالنسبة إلى رسوله عليه الصلاة و السلام وتعدد المعمول بمنزلة تكرر لفظ العامل فيخف أمر الجمع بين المعنيين حتى أدعى بعضهم أنه ليس من الجمع الممنوع وليس بشيء لعنهم الله طردهم وأبعدهم من رحمته في الدنيا والآخرة بحيث لا يكادون ينالون فيهما شيئا منها وذلك في الآخرة ظاهر وأما في الدنيا فقيل بمنعهم زيادة الهدى وأعد لهم مع ذلك عذابا مهينا 75 يصيبهم في الآخرة خاصة والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات يفعلون بهم ما يتأذون به

الصفحة 87