كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

من قول أو فعل وتقييده بقوله تعالى بغير ما أكتسبوا أي بغير جناية يستحقون بها الأذية شرعا بعد إطلاقه فيما قبله للإيذان بأن أذى الله تعالى ورسوله لا يكون إلا في غير حق وأما أذى هؤلاء فمنه ومنه
وروى أن عمر رضي الله تعالى عنه قال يوما لأبي : ياأبا المنذر قرأت البارحة آية من كتاب الله تعالى فوقعت مني كل موقع والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات والله إني لأعاقبهم وأضربهم فقال : إنك لست منهم إنما أنت معلم ومقوم وقوله تعالى : الذين مبتدأ وقوله سبحانه فقد أحتملوا بهتانا أي فعلا شنيعا وقيل ما هو كالبهتان أي الكذب الذي يبهت الشخص لفظاعته في الإثم وقيل أحتمل بهتانا أي كذبا فظيعا إذا كان الإيذاء بالقول وإثما مبينا 85 أي ظاهرا بينا خبره ودخلت الفاء لتضمن الموصول معنى الشرط والآية قيل نزلت في منافقين كانوا يؤذون عليا كرم الله تعالى وجهه ويسمعونه مالا خير فيه
وأخرج إبن جويبر عن الضحاك عن إبن عباس قال : أنزلت في عبدالله بن أبي وناس معه قذفوا عائشة رضي الله تعالى عنها فخطب النبي وقال : من يعذرني من رجل يؤذيني ويجمع في بيته من يؤذيني فنزلت
وأخرج إبن جرير وإبن أبي حاتم عنه رضي الله تعالى عنها إنها نزلت في الذين طعنوا على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في أخذ صفية بنت حيي رضي الله تعالى عنها وعن الضحاك والسدي والكلبي أنها نزلت في زناة كانوا يتبعون النساء إذا برزن بالليل لقضاء حوائجهن وكانوا لا يتعرضون إلا للإماء ولكن ربما يقع منهم التعرض للحرائر جهلا أو تجاهلا لإتحاد الكل في الزي واللباس والظاهر عموم الآية لكل ما ذكر ولكل ما سيأتي من أراجيف المرجفين وفيها من الدلالة على حرمة المؤمنين والمؤمنات ما فيها وأخرج إبن أبي حاتم عن مجاهد في هذه الآية قال : يلقى الجرب على أهل النار فيحكون حتى تبدو العظام فيقولون ربنا بماذا أصابنا هذا فيقال : بأذاكم المسلمين وأخرج غير واحد عن قتادة قال : إياكم وأذى المؤمن فإن الله تعالى يحوطه ويغضب له
وأخرج إبن أبي حاتم وإبن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لأصحابه أي الربا أربى عند الله قالوا : الله ورسوله أعلم قال : أربى الربا عند الله إستحلال عرض أمريء مسلم ثم قرأ والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما أكتسبوا الآية يأأيها النبي بعد ما بين سبحانه سوء حال المؤذين زجرا لهم عن الإيذاء أمر النبي بأن يأمر بعض المتأذين منهم بما يدفع إيذاءهم في الجملة من التستر والتميز عن مواقع الإيذاء فقال عزوجل : قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن روى عن غير واحد أنه كانت الحرة والأمة تخرجان لقضاء الحاجة في الغيطان وبين النخيل من غير إمتياز بين الحرائر والإماء وكان في المدينة فساق يتعرضون للإماء وربما تعرضوا للحرائر فإذا قيل لهم يقولون حسبناهن إماء فأمرت الحراير أن يخالفن الإماء بالزي والتستر ليحتشمن ويهبن فلا يطمع فيهن والجلابيب جمع جلباب وهو على ما روى عن إبن عباس الذي يستر من فوق إلى أسفل وقال إبن جبير : المقنعة وقيل : الملحفة وقيل : كل ثوب تلبسه المرأة فوق ثيابها وقيل : كل ما تتستر به من كساء أو غيره وأنشدوا
تجلببت من سواد الليل جلبابا
وقيل هو ثوب أوسع من الخمار ودون الرداء والأدناء التقريب يقال أدناني أي قربني وضمن معنى الإرخاء أو السدل

الصفحة 88