كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

أنفسهم وهم المنافقون في الآية ونفاق الذين في قلوبهم مرض وهم منافقون إن تيسر لهم الزنا عملوه وإن لم يتيسر لم يتبعوه ويهتموا بأمره ونفاق المرجفين وهم منافقون يكابرون النساء يقتصون أثرهن فيغلبوهن على أنفسهن فيفجرون بهن وهؤلاء الذين يكابرون النساء لنغرينك بهم يقول سبحانه لنعلمنك بهم ثم قال تعالى ملعونين ثم فصلت الآية أينما ثقفوا يعملون هذا العمل مكابرة النساء أخذوا وقتلوا تقتيلا ثم قال السدي : هذا حكم في القرآن ليس يعمل به لو أن رجلا وما فوقه أقتصوا أثر أمرأة فغلبوها على نفسها ففجروا بها كان الحكم فيها عبر الجلد والرجم وهو أن يؤخذوا فتضرب أعناقهم سنة الله في الذين خلوا من قبل كذلك كان يفعل بمن مضى من الأمم ولن تجد لسنة الله يبديلا فمن كابر أمرأة على نفسها فغلبها فقتل فليس على قاتله دية لأنه يكابر إنتهى والظاهر أنه قد وقع الإنتهاء من المنافقين والذين في قلوبهم مرض عما هو المقصود بالنهي وهو ما يستتبعه حالهم من الإيذاء ولم يقع من المرجفين أعني اليهود فوقع القتال والإجلاء لهم
وفي البحر الظاهر أن المنافقين يعني جميع من ذكر في الآية إنتهوا عما كانوا يؤذون به الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم والمؤمنين وتستر جميعهم وكفوا خوفا من أن يقع بهم ما وقع القسم عليه وهو الإغراء والإجلاء والقتل وحكى ذلك عن الجبائي وعن أبي مسلم لم ينتهوا وحصل الإغراء بقوله تعالى جاهد الكفار والمنافقين وفيه أن الإجلاء والقتل لم يقعا للمنافقين والجهاد في الآية قولى وقيل إنهم لم يتركوا ما هم عليه ونهوا عنه جملة ولا نفذ عليهم الوعيد كاملا ألا ترى إلى إخراجهم من المسجد ونهيه تعالى عن الصلاة عليهم وما نزل في سورة براءة وزعم بعضهم أنه لم ينته أحد من المذكورين أصلا ولم ينفذ الوعيد عليهم ففيه دليل على بطلان القول بوجوب نفاذ الوعيد في الآخرة ويكون هذا الوعيد مشروطا بالمشيئة وفيه من البعد ما فيه
يسألك الناس عن الساعة أي عن وقت قيامها ووقوعها كان المشركون يسألونه عن ذلك إستعجالا بطريق الإستهزاء والمنافقون تعنتا واليهود إمتحانا لما أنهم يعلمون من التوراة أنها مما أخفاه الله تعالى فيسألونه عليه الصلاة و السلام ليمتحنوه هل يوافقها وحيا أولا قل إنما علمها عند الله لا يطلع سبحانه عليه ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا وما يدريك خطاب مستقل له غير داخل تحت الأمر مسوق لبيان أنها مع كونها غير معلومة مرجوة المجيء عن قريب وما إستفهام في موضع الرفع بالإبتداء والجملة بعده خبر أي اي شيء يعلمك بوقت قيامها والمعنى على النفي أي لا يعلمنك به شيء أصلا
لعل الساعة تكون قريبا 36 أي لعلها توجد وتتحقق في وقت قريب فقريبا منصوب على الظرفية وإستعماله كذلك كثير و تكون تامة ويجوز أن تكون ناقصة وإذا كان قريبا الخبر وأعتبر وصفا لا ظرفا فالتذكير لكونه في الأصل صفة لخبر مذكر يخبر به عن المؤنث وليس هو الخبر أي لعل الساعة تكون شيئا قريبا وجوز أن يكون ذلك رعاية للمعنى من حيث أن الساعة بمعنى اليوم أو الوقت
وقال أبو حيان : يجوز أن يكون ذلك لأن التقدير لعل قيام الساعة فلوحظ الساعة في تكون فأنث ولوحظ المضاف المحذوف وهو قيام في قريبا فذكر ولا يخفى بعده وقيل إن قريبا لكونه فعيلا يستوي فيه المذكر والمؤنث كما في قوله تعالى إن رحمة الله قريب من المحسنين وقد تقدم ما في ذلك وفي الكلام تهديد للمستعجبين

الصفحة 92