كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

عن الطريق الحق بما دعونا إليه وزينوه لنا من الأباطيل والألف للأطلاق كما في وأظعنا الرسولا
ربنا آتهم ضعفين من العذاب أي عذابين يضاعف كل واحد منهما الآخر عذابا على ضلالهم في أنفسهم وعذابا على إضلالهم لنا وألعنهم لعنا كبيرا 86 أي شديدا عظينا فإن الكبر يستعار للعظمة مثل كبرت كلمة ويستفاد التعظيم من التنوين أيضا وقرأ الأكثر كثيرا بالثاء المثلثة أي كثير العدد وتصدير الدعاء بالنداء مكررا للمباغة في الجؤار وأستدعاء الإجابة ياأيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى قيل نزلت فيما كان من أمر زينب بنت جحش رضي الله تعالى عنها وتزوجه بها وما سمع في ذلك من كلام آذاه عليه الصلاة و السلام فبرأه الله مما قالوا أي من قولهم أو الذي قالوه وأياما كان فالقول هنا بمعنى المقول والمراد به مدلوله الواقع في الخارج وبتبرئة الله تعالى إياه من ذلك إظهار براءته عليه السلام منه وكذبهم فيما أسندوا إليه لأن المرتب على أذاهم ظهور براءته لأنها مقدمة عليه وإستعمال الفعل مجازا عن إظهاره والمقول بمعنى المضمون كثير شائع فالمعنى فأظهر الله تعالى براءته من الأمر المعيب الذي نسبوه إليه عليه السلام وقيل : لا حاجة إلى ما ذكر فإنه تعالى لما أظهر براءته عما أفتروه عليه أنقطعت كلماتهم فيه فبريء من قولهم على أن برأه بمعنى خلصه من قولهم لقطعه عنه وتعقب بأنه مع تكلفه لأن قطع قولهم ليس مقصودا بالذات بل المراد إنقطاعه لظهور خلافه لا بد من ملاحظة ما ذكر والمراد بالأمر الذي نسبوه إليه عليه السلام عيب في بدنه
أخرج الإمام أحمد والبخاري والترمدي وجماعة من طريق أبي هريرة قال : قال رسول الله إن موسى عليه السلام كان رجلا حييا ستيرا لا يرى من جلده شيء إستحياء منه فآذاه من آذاه من بني إسرائيل وقالوا ما يستتر هذا الستر إلا من عيب بجلده أما برص وأما آفة وإن الله تعالى أراد أن يبرئه مما قالوا وأن موسى عليه السلام خلا يوما وحده فوضع ثيابه على حجر ثم أغتسل فلما فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها وأن الحجر غدا بثوبه فأخذ موسى عليه السلام عصاه وطلب الحجر فجعل يقول ثوبي حجر ثوبي حجر حتى إنتهى إلى ملأ من بني إسرائيل فرأوه عريانا أحسن ما خلق الله تعالى وبرأه مما يقولون وقام الحجر فأخذ ثوبه فلبسه وطفق بالحجر ضربا بعصاه فذلك قوله تعالى ياأيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا
وقيل : إن ذلك ما نسبوه إليه عليه السلام من قتل هرون أخرج إبن منيع وإبن جرير وإبن المنذر وإبن أبي حاتم وإبن مردويه والحاكم وصححه عن إبن علي كرم الله تعالى وجهه أنه قال في الآية : صعد موسى وهرون عليهما السلام الجبل فمات لهرون فقالت بنو إسرائيل لموسى أنت قتلته كان أشد حبا لنا منك وألين فآذوه من ذلك فأمر الله تعالى الملائكة عليهم فحملوه فمروا به على مجالس بني إسرائيل وتكلمت الملائكة عليهم السلام بموته فبرأه الله تعالى فأنطلقوا به فدفنوه ولم يعرف قبره إلا الرخم وإن الله تعالى جعله أصم أبكم وفي رواية عن إبن عباس وأناس من الصحابة أن الله تعالى أوحى إلى موسى إني متوف لهرون فأت جبل كذا فأنطلقا نحو الجبل فأذاهم بشجرة وبيت فيه سرير عليه فرش وريح طيبة فلما نظر هارون إلى ذلك الجبل والبيت وما فيه أعجبه فقال ياموسى إني أحب إن أنام على هذا السرير قال نم عليه قال نم معي فلما ناما أخذ لهرون الموت فلما قبض رفع ذلك البيت وذهبت تلك الشجرة ورفع السرير إلى السماء فلما رجع موسى إلى بني إسرائيل قالوا قتل لهرون

الصفحة 94