كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

وأخرجوأخرج إبن المنذر وإبن أبي حاتم وإبن الأنباري عن إبن جريج قال : بلغني أن الله تعالى لما خلق السموات والأرض والجبال قال : إني فارض فريضة وخالق جنة ونارا وثوابا لمن أطاعني وعقابا لمن عصاني فقالت السموات خلقتني فسخرت في الشمس والقمر والنجوم والسحاب والريح فأنا مسخرة على ما خلقتني لا أتحمل فريضة ولا أبغي ثوابا ولا عقابا ونحو ذلك قالت الأرض والجبال ويعلم مما ذكر أن الأباء لم يكن معصية لأنه لم يكن هناك تكليف بل تخيير وأما كونها أستحقرت أنفسها عن أن تكون محل الأمانة فلا ينفي عنهن العصيان بالأباء لو كان هناك تكليف بالحمل وقيل : لا حذف والكلام من باب التمثيل على ما سمعت أولا
وذهب كثير إلى أن المراد بحملها إلتزام القيام بها وبالإنسان آدم عليه السلام وأختلف في حمله إياها هل كان بعد عرضها عليه أو بدونه فقيل كان بعد العرض
فقد أخرج إبن جرير وإبن المنذر وإبن أبي حاتم أن الله تعالى عرض الأمانة على السماء الدنيا فأبت ثم التي تليها فأبت حتى فرغ منها ثم الأرضين ثم الجبال ثم عرضها على آدم عليه السلام فقال نعم بين أذني وعاتقي الخبر وقيل : بدونه
قال إبن الجوزي : لما خلق الله عزوجل آدم عليه السلام ونفخ فيه الروح مثلت له الأمانة بصخرة ثم قال : للسموات أحملي هذه فأبت وقالت : إلهي لا طاقة لي بها وقال سبحانه : للأرض أحمليها فقالت : لا ط اقة لي بها وقال تعالى للجبال : أحمليها فقالت : لا طاقة لي بها فأقبل آدم عليه السلام فحركها بيده وقال لو شئت لحملتها فحملها حتى بلغت حقويه ثم وضعها على عاتقه فلما أهوى ليضعها نودي من جانب العز يا آدم مكانك لا تضعها فهذه الأمانة قد بقيت في عنقك وعنق أولادك إلى يوم القيامة ولكم عليها ثواب في حملها وعقاب في تركها وهذا ظاهر في أن الحمل على حقيقته وفي أن العرض على السموات والأرض والجبال كان بمسمع من آدم عليه السلام وإلى هذا ذهب إبن الأنباري وفي بعض الآثار ما يدل على أن العرض عليهن قبل خلقه عليه السلام
أخرج إبن أبي حاتم عن مجاهد قال : لما خلق الله تعالى السموات والأرض عرض عليهن الأمانة فلم يقبلنها فلما خلق آدم عليه السلام عرضها عليه فقال : يارب وما هي قال سبحانه : هي إن أحسنت أجرتك وإن أسأت عذبتك قال : فقد تحملت يارب فما كان بين أن تحملها إلى أن أخرج إلا قدر ما بين الظهر والعصر وكأني بك تختار من هذه الأقوال أن العرض على تقدير كونه بعد إعطاء الفهم والتمييز كان بمسمع من آدم عليه السلام وأنه بعد أن سمع الأباء حملته الغيرة على الحمل وربما يفضي بك هذا إلى إختيار القول بأنه حمل الأمانة بدون عرضها عليه كما هو ظاهر الآية وبه يتأكد وصفه بما وصف لكني لا أظنك تقول بصحة حديث تمثل الأمانة بصخرة وإن قلت بصحة تمثل المعاني بصور الأجسام كما ورد في حديث ذبح الموت وغيره وأنا لا أميل إلى القول بأن المراد بالإنسان آدم عليه السلام وإن كان أول أفراد الجنس ومبدأ سلسلتها لمكان إنه كان ظلوما جهولا فإنه يبعد غاية البعد وصف صفي الله عزوجل بنص إن الله أصطفى آدم بمزيد الظلم والجهل وكون المعنى كان ظلوما جهولا بزعم الملائكة عليهم السلام قول بارد وحمله على معنى كان ظلوما لنفسه حيث حملها على ضعفه ما أبت الأجسام القوية حمله جهولا بقدر ما دخل فيه أو بعاقبة ما تحمل ولا يزيل البعد ولا أستسحن كون المراد كان من شأنه لو خلى ونفسه ذلك كما قيل :

الصفحة 98