كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 23)

ومجاهد وقتادة والسدي وقلما يقال للمتقدم هو شيعة للمتأخر ومنه قول الكميت الأصغر بن زيد : وما لي إلا آل أحمد شيعة ومالي إلا مشعب الحق مشعب وذكر قصة إبراهيم عليه السلام بعد قصة نوح لأنه كآدم الثالث بالنسبة إلى الأنبياء والمرسلين بعده لأنهم من ذريته إلا لوطا وهو بمنزلة ولده عليهما السلام ويزيد حسن الإرداف أن نوحا نجاه الله تعالى من الغرق وإبراهيم نجاه الله تعالى من الحق إذ جاء ربه منصوب باذكر كما هو المعهود في نظائره وجوز تعلقه بفعل مقدر يدل عليه قوله تعالى : وإن من شيعته كأنه قيل : متى شايعه فقيل : شايعه إذ جاء ربه وقيل : هو متعلق بشيعة لما فيه من معنى المشايعة ورد بأنه يلزم عمل ما قبل لام الإبتداء فيما بعدها وهم لا يجوزون ذلك للصدارة فلا يقال : إن ضاربا لقادم علينا زيدا وكذا يلزم الفصل بين العامل والمعمول بأجنبي وهو لا يجوز
وأجيب بأنه لا مانع من كل إذا كان المعمول ظرفا لتوسعهم فيه بقلب سليم
84
- أي سالم من جميع الآفات كفساد العقائد والنيات السيئة والصفات القبيحة كالحسد والغل وغير ذلك وعن قتادة تخصيص السلامة بالسلامة من الشرك والتعميم الذي ذكرناه أولى أو سالم من العلائق الدنيوية بمعنى أنه ليس فيه شيء من محبتها والركون إليها وإلى أهلها وقيل سليم أي حزين وهو مجاز من السليم بمعنى اللديغ من حية أو عقرب فإن العرب تسميه تفاؤلا بسلامته وصار حقيقة فيه وما تقدم أنسب بالمقام والباء قيل للتعدية
والمراد بمجيئه ربه بقلبه إخلاصه قلبه له تعالى على سبيل الإستعارة التبعية التصريحية ومبناها تشبيه إخلاصه قلبه له عز و جل بمجيئه إليه تعالى بتحفة في أنه سبب للفوز بالرضا ويكتفي بامتناع الحقيقة مع كون المقام مقام المدح قرينة فحاصل معنى التركيب إذ أخلص عليه السلام لله تعالى قلبه السليم من الآفات أو المنقطع عن العلائق أو الحزين المنكسر وتعقب بأن سلامة القلب عن الآفات لا تكون بدون الإخلاص وكذا الإنقطاع عن العلائق لا يكون بدونه وأجيب بأنهما قد يكونان بدون ذلك كما في القلوب البله وفي المطلع معنى مجيئه ربه بقلبه أنه أخلص قلبه لله تعالى وعلم ذلك منه كما يعلم الغائب وأحواله بمجيئه وحضوره فضرب المجيء مثلا لذلك أه وجعل في الكلام عليه استعارة تمثيلية بأن تشبه الهيئة المنتزعة من إخلاص إبراهيم عليه السلام قلبه لربه تعالى وعلمه سبحانه ذلك الإخلاص منه موجودا بالهيئة المنتزعة من المجيء بالغائب بمحضر شخص ومعرفته إياه وعلمه بأحواله ثم يستعار ما يستعار ولتأدية هذا المعنى عدل عن جاء ربه سليم القلب إلى ما في النظم الجليل وقيل الباء للملابسة ولعله المتبادر والمراد بمجيئه ربه حلوله في مقام الإمتثال ونحوه وذكر أن نكتة العدول عما سمعت إلى ما في النظم سلامته من توهم أن الحال منتقلة لما أن الإنتقال أغلب حاليها مع أنه أظهر في أن سلامة القلب كانت له عليه السلام قبل المجيء أيضا فليتدبر
إذ قال لأبيه وقومه ماذا تعبدون
85
- بدل من إذ الأولى أو ظرف لجاء أو لسليم أي أي شيء تعبدون
أئفكا آلهة دون الله تريدون
86
- أي أتريدون آلهة من دون الله تعالى إفكا أي للإفك فقدم المفعول به على الفعل للعناية لأن إنكاره أو التقرير به هو المقصود وفيه رعاية الفاصلة أيضا ثم المفعول لأجله لأن الأهم مكافحتهم بأنهم على إفك وباطل في شركهم

الصفحة 100