كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 23)

ويجوز أن يكون إفكا مفعولا به بمعنى أتريدون إفكا وتكون آلهة بدلا منه بدل من كل وجعلها عين الإفك على المبالغة أو الكلام على تقدير مضاف أي عبادة آلهة وهي صرف للعبادة عن وجهها وجوز كونه حالا من ضمير تريدون أي أفاكين أو مفعوله أي مأفوكة وتعقب بأن جعل المصدر حالا لا يطرد إلا مع أما نحو أما علما فعالم فما ظنكم برب العالمين
87
- أي أي شيء ظنكم بمن هو حقيق بالعبادة لكون ربا للعالمين أشككتم فيه حتى تركتم عبادته سبحانه بالكلية أو أعلمتم أي شيء هو حتى جعلتم الأصنام شركاءه سبحانه وتعالى أو أي شيء ظنكم بعقابه عز و جل حتى اجترأتم على الإفك عليه تعالى ولم تخافوا وكان قومه عليه السلام يعظمون الكواكب المعروفة ويعتقدون السعود والنحوس والخير والشر في العالم منها ويتخذون لكل كوكب منها هيكلا ويجعلون فيها أصناما تناسب ذلك الكوكب بزعمهم ويجعلون عبادتها وتعظيمها ذريعة إلى عبادة تلك الكواكب واستنزال روحانياتها وكانوا يستدلون بأوضاعها على الحوادث الكونية عامة أو خاصة فاتفق أن دنا يوم عيد لهم يخرجون فيه فأرسل ملكهم إلى إبراهيم عليه السلام أن غدا عيدنا فاحضر معنا فاستشعر حصول الفرصة لحصول ما عسى أن يكون سببا لتوحيدهم فأراد أن يعتذر عن الحضور على وجه لا ينكر عليه فنظر نظرة في النجوم
88
- أي فتأمل نوعا من التأمل في أحوالها وهو في نفس الأمر على طرز تأمل الكاملين في خلق السماوات والأرض وتفكرهم في ذلك إذ هو اللائق به عليه السلام لكنه أوهمهم أنه تفكر في أحوالها من الإتصال والتقابل ونحوهما من الأوضاع التي تدل بزعمهم على الحوادث ليرتب عليه ما يتوصل به إلى غرضه الذي يكون وسيلة إلى إنقاذهم مما هم فيه والظاهر بعد اعتبار الإيهام أنه إيهام التفكر في أحكام طالع ولادته عليه السلام ما يدل عليه بزعمهم ما تجدد له من الأوضاع في ذلك الوقت وهذا من معارض الأفعال نظير ما وقع في قصة يوسف عليه السلام من تفتيش أوعية إخوته بني علاته قبل وعاء شقيقه فإن المفتش بدأ بأوعيتهم مع علمه أن الصاع ليس فيها وأخر تفتيش وعاء أخيه مع علمه بأنه فيها تعريضا بأنه لا يعرف في أي وعاء هو ونفيا للتهمة عنه لو بدأ بوعاء الأخ فقال أي لهم إني سقيم
89
- أراد أنه سيسقم ولقد صدق عليه السلام فإن كل إنسان لابد أن يسقم وكفى باعتلال المزاج أول سريان الموت في البدن سقاما وقيل أراد مستعد للسقم الآن أو خارج المزاج عن الإعتدال خروجا قل من يخلو عنه أو سقيم القلب لكفركم والقول توهموا أنه أراد قرب اتصافه بسقم لا يستطيع معه الخروج معهم إلى معيدهم وهو على ما روي عن سفيان وابن جبير سقم الطاعون فإنهما فسرا سقيم بمطعون وكان كما قيل أغلب الأسقام عليهم وكانوا شديدي الخوف منه لاعتقادهم العدوى فيه وهذا وكذا قوله عليه السلام بل فعله كبيرهم هذا وقوله في زوجته سارة هي أختي من معاريض الأقوال كقول نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم لمن قال له في طريق الهجرة : ممن الرجل من ماء حيث أراد عليه الصلاة و السلام ذكر مبدأ خلقه ففهم السائل أنه بيان قبيلته وكقول صاحبه الصديق وقد سئل عنه عليه الصلاة و السلام في ذاك أيضا : هو هاد يهديني حيث أراد وفهم السائل آخر ولا يعد ذلك كذبا في الحقيقة
وتسميته به في بعض الأحاديث الصحيحة بالنظر لما فهم الغير منه لا بالنسبة إلى ما قصده المتكلم وجعله ذنبا في حديث الشفاعة قيل لأنه ينكشف لإبراهيم عليه السلام أنه كان منه هلاف الأولى لا أن كل تعريض هو

الصفحة 101