كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 23)
وقال بعضهم : الأول ذكر والثلاثة بعده إناث والخامس ذكر والثلاثة بعده إناث والتاسع ذكر وما بعده إناث فالذكور ثلاثة وبعد كل ذكر إناث ثلاث مخالفة له في الطبيعة ثم إن هذه القسمة للمذكر والمؤنث ذاتية للبروج ولها قسمة ثانية بالعرض وهي أنهم يبدؤن من الطالع إلى الثاني عشر فيأخذون واحدا ذكرا وآخر أنثى
وبعضهم يقول هي أربعة أقسام فمن وتد المشرق إلى وتد العاشر وذكر شرقي مجفف سريع ومن وتد العاشر إلى وتد الغارب مؤنث جنوبي محرق وسط ومن وتد لالغارب إلى وتد الرابع ذكر معتل رطب غربي بطيء ومن وتد الرابع إلى الطالع مؤنث ذليل مبرد شمالي وسط وبعض الأوائل منهم لم يقتصر على ذلك بل ابتدأ بالدرجة الأولى من الحمل فقال هي ذكر والدرجة الثانية أثني وهكذا إلى آخر الحوت ولبطليموس هذيان آخر ابتدأ بأول درجة كل برج ذكر فنسب منها إلى تمام اثنتي عشر درجة ونصف إلى الذكورية ومنه إلى تمام خمس وعشرين درجة إلى الأنوثية ثم قسم باقي الروج إلى قسمين فنسب النصف الأول إلى الذكر والآخر إلى الأنثى وفعل مثل ذلك في كل برج أثني ولدوروسوس هذيان آخر أيضا فإنه يقسم البروج كل برج ثمانية وخمسين دقيقة ومائة وخمسين دقيقة ثم ينظر إلى الطالع فإن كان برجا ذكرا أعطي القسمة الأولى للذكر ثم الثانية للأنثى إلى أن يأتي على الروج كلها وإن كان أثني أعطى القسمة الأولى للأنثى ثم الثانية للذكر إلى أن يأتي آخرها وما لهم في شيء من ذلك دليل مع أن قولهم ببساطة الفلك يأبى اختلاف أجزائه بالخرارة والرودة والذكورة والأنوثة ومثل هذيانهم في قسمة الأجزاء الفلكية إلى ما ذكر قسمتهم الكواكب إلى ذلك فزعموا أن القمر والزهرة مؤنثتان وأن الشمس وزحل والمشتري والمريخ مذكرة وأن عطارد ذكر أنثى وإن سائر الكواكب تذكر وتؤنث بسبب الأشكال التي تكون لها بالقياس إلى الشمس أنها إذا كانت مشرقة متقدمة على الشمس فهي مذكرة وإن كانت مغربة تابعة كانت مؤنثة وإن ذلك يكون لها بالقياس إلى أشكالها من الأفق وذلك أنها إذا كانت في الأشكال التي من المشرق إلى وسط السماء مما تحت الأرض فهي مذكرة وإذا كانت في الربعين الباقيين فهي مؤنثة ويلزم انقلاب المذكر مؤنثا والمؤنث مذكرا
وأجاب بعضهم عن هذا الهذيان أنه لا مانع من اتصاف شيء بأمر بالقياس إلى شيء وبضده بالقياس إلى آخر وهو في نفسه غير متصف بشيء منهما كالأدكن فإنه يقال فيه أبيض بالقياس إلى الأسود وأسود بالقياس إلى الأبيض وهو في نفسه لا أسود ولا أبيض فكذا الكواكب يقال أنها ذكران وإناث بالقياس إلى الأشكال أعني الجهات والجهات إلى الرياح كالصبا والدبور والرياح إلى الكيفيات لا أنها ذكران وإناث في نفسها وهو تلبيس فإن الأدكن فيه شائبة وسواد فمقتضى التشبيه يلزم أن يكون في الكوكب شائبة ذكورة وأنوثة وأيضا أن الإنقسام المذكور بحسب الطبيعة والتأثير والتأثر و لايكاد بعرف انقلاب الحقيقة والطبيعة بحسب الموضع والقرب والبعد ومنه يعلم فساد ما قالوا : إن القمر من أول ما يهمل إلى وقت انتصافه في الضوء يكون فاعلا للرطوبة خاصة ومن ذلك وقت الإمتلاء يكون فاعلا للحرارة ومنه إلى وقت الإنتصاف الثاني في الضوء يكون فاعلا لليبس ومن ذلك إلى وقت خفائه يمون فاعلا للبرودة وقاسوا ذلك على تاثيرات الشمس في الفصول والفرق مثل الشمس ظاهر ويلزم عليه كون الشهر الواحد ذا فصول والحسن يدفعه وأيضا كلامهم هذا يخالف ما قالوه من أن قوة القمر الترطيب لقرب فلكه من الأرض وقبوله للبخارات الرطبة التي ترتفع منها إليه ثم إن هذا القول باطل في نفسه لما أنه يلزم عليه ازدياد رطوبة القمر