كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 23)
في كل يوم لو سلم تصاعد البخارات الرطبة إليه وتأثره منها وكذا القول بأن قوة زحل أن يبرد ويجفف تجفيفا يسيرا لبعده عن حرارة الشمس والبخارات الرطبة وإن قوة المريخ مجففة مرحقة لمشاكلو لونه لون النار ولقربه من الشمس وكوكب الدب الأكبر كالمريخ وإن عطاردا معتدل في التجفيف والترطيب لأنه لا يبعد عن الشمس بعدا كثيرا ولا وضعه فوق كرة القمر ومن العجائب استدلال فضلا على اختلاف الكواكب باختلاف ألوانها حيث قالوا : لما كان لون زحل الغبرة والكمودة حكمنا بأنه على طبع السوداء وهو البرد واليبس فإن لها من الألوان الغبرة ولما كان لون المريخ كلون النار قلنا طبعه حار يابس والحرارة واليبس في الشمس ظاهرتان ولما كان لون الزهرة كالمركب من البياض والصفرة والبياض أظهر فيها طبعها البرودة والرطوبة كالبلغم ولما كان صفرة المشتري أكثر مما في الزهرة كانت سخونته أكثر من سخونة الزهرة وكان في غاية الأعتدال وأما القمر فهو أبيض وفيه كمودة فيدل بياضه على الرودة
وأما عطارد فتختلف ألوانه فربما رأيناه أخضر وربما رأيناه أغبر وربما رأيناه على خلاف هذين اللونين وذلك في أوقات مختلفة مع كونه من الأفق على ارتفاع واحد فلا جرم يكون له طبائع مختلفة إلا أنا لما وجدناه في الأغلب أغبر كالأرض قلنا هو مثلها في الطبع ويرد على أن المشاركة في بعض الصفات لا تقتضي المشاركة في الطبيعة ولا في صفة أخرى وأن دلالة مجرد اللون على الطبيعة ضعيفة جدا لاشتراك الكثير في لون مع اختلاف الطبائع وأيضا الزرقة أظهر في الزهرة واختلاف ألوان عطارد لأنا نراه قريب الأفق فيكون بيننا وبينه بخارات مختلفىة وقال أبو معشر : إن القمر لا ينسب لونه إلى البياض إلا من عدم قوة الحس البصري وفيه بعد ما فيه ولو سلم جميع ما قالوه من اختلاف طبائع البروج والكواكب بالحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة فقصارى ما يترتب على ذلك ما نجده من اختلاف الأقاليم حرارة وبرودة مثلا واختلاف أشجارها وأثمارها واختلاف أجسام أهلها وألوانهم واختلاف حيواناتها إلى غير ذلك من الإختلافات ومع هذا نقول : إن الكواكب جزء السبب في ذبك لكن من أين لهم القول بأن جميع الحوادث في هذا العالم خيرها وشرها وصلاحها وفسادها وجميع أشخاصه وأنواعه وصوره وقواه ومدد بقاء أشخاصه وجميع أحوالها العارضة لها وتكون الجنين ومدة لبثه في بطن أمه وخروجه إلى الدنيا وعمره ورزقه وشقاوته وحسنه وقبحه وأخلاقه وحذقه وبلادته وجهله وعلمه إلى ما لا يحصى من أحواله وانقسام الحيوان إلى الطير وأصنافه وإلى الحيوان البحري وأنواعه البري وأقسامه واختلاف صور الحيوانات وأفعالها وأخلاقها وثبوت العداوة بين أفراد نوع وأفراد آخر منها كالذئاب والغنم وثبوت الصداقة كذلك وكذا ثبوت العداوة أو الصداقة بين أفراد النوع الواحد إلى غير ذلك مما يكون في العالم لا يكون إلا بتأثير الكواكب وهو مما لا يكاد يصح لأن طريق صحته إما الخبر الصادق أو الحس الذي يشترك فيه الناس أو ضرورة العقل أو نظره وشيء من هذا كله غير موجود ولا يمكن الأحكاميين أن يدعوا واحدا من الثلاثة الأول وغايتهم أن يدعوا أن التجربة قادتهم إلى ذلك ولا شك أن أقل ما لا بد منه فيها أن يحصل ذلك الشيء على حالة واحدة مرتين والوضع المعين لمجموع الكواكب لا يتكرر أصلا أو يتكرر بعد ألوف من السنين وعمر الإنسان الواحد