كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 23)
بل عمر البشر لا تفي به وزعم بعضهم لذلك أن مجموع الإتصالات ونسب الكواكب بعضها إلى بعض غير شرط في التأثير لتتوقف التجربة على تكراره بل يكفي بعض الإتصالات وقد يكفي واحد منها وذلك يتكرر في أزمنة قليلة فتتأتى التجربة مثلا رداءة السفر وقد نزل القمر برج العقرب يستند إلى هذا النزول بالتجربة فإنا وجدنا تكرر ذلك وترتب الرداءة على كل مرة وهذا هو التجربة وكذا يقال في نظائره وأنت تعلم أن التجارب التي دلت على كذب ما يقولون بوقوع خلافه أضعاف التجارب التي دلت على صدقه فقد أجمع حذاقهم سنة سبع وثلاثين عام خروج علي كرم الله تعالى وجهه إلى صفين على أنه يقتل ويقهر جيشه فانتصر على أهل الشام ولم يقدروا على التخلص إلا بالحيلة وإن لم يسلم هذا الإجماع فإجماعهم على مثله في خروجه كرم الله تعالى وجهه لحرب الخروارج حيث كان القمر في العقرب وقوله رضي الله تعالى عنه : نخرج ثقة بالله تعالى وتوكلا عليه سبحانه وتكذيبا لقول المنجم ونصرته الخارجة عن القياس مما شاع وذاع ولو قيل بتواتر لم يبعد وأجمعوا سنة ست وستين على غلبة علبد الله بن زياد وقد سار بنحو من ثمانين ألف مقاتل على المختار بن أبي عبيد فلقيه إبراهيم بن الأشتر صاحب المختار بأرض نصيبين فيما دون سبعة آلاف مقاتل فقتل من عسكره نحو من ثلاثة وسبعين ألفا وضربه وهو لا يعرفه فقتله ولم يقتل من أصحابه أكثر من مائة
وأجمعوا يوم أسست بغداد سنة ست وأربعين ومائة على أن طالعها يقضي بأنه لا يموت فيها خليفة وشاع ذلك حتى قال بعض شعراء المنصور مهنئا له : يهنيك منها بلدة تقضي لنا أن الممات بها عليك حرام لما قضت أحكام طالع وقتها أن لا يرى فيها يموت إمام فأول ما ظهر كذب ذلك بقتل الأمين بشارع باب الأنبار فقال بعض الشعراء : كذب المنجم في مقالته التي كان ادعاها في بنا بغدان قتل الأمين بها لعمري يقتضي تكذيبهم في سائر الحسبان ثم مات فيها جماعة من الخلفاء كالواثق والمتوكل والمعتضد والناصر وغيرهم إلى أمور لا تكاد تحصى أجمعوا فيها على حكم وتبين كذبهم فيه على أنه قد يقال لهم : المؤثر في السعود والنحوس ونحوهما هل هو الكوكب وحده أو البرج وحده أو الكوكب بشرط حصوله في البرج فإن قالوا بأحد الأمرين الأولين لزمهم دوام الأثر لدوام المؤثر وإن قالوا بالثالث لزمهم القول باختلاف البروج في الطبيعة وإلا لا تحدت آثار الكوكب فيها وكلبهم مجموعون على أن الفلك بسيط لا تركيب فيه والتزام التركيب من طبائع مختلفة ينافي قولهم بامتناع الإنحلال وزعم بعضهم أنها تفعل ما تفعل بالإختيار يستدعي إلغاء أمر الإتصال والإنفصال والمقارنة والهبوط ونحو ذلك وكون ما ذكر شرطا للإختيار لا يخفى حاله والقول بأنها تستدعي من حيث طبيعة أشعتها النسختين والتبريد وهما يوجبان اختلاف أمزجة الأبدان واختلافها يوجب اختلاف أفعال النفس يرد عليه أنا نرى التسخين مثلا يقتضي حرارة وحدة في المزاج يفعل بها شخص غاية الخير والأفعال الحميدة وآخر غاية الشر والأفعال الخبيثة فلا بد لهذا الإختلاف من موجب غير التسخين وأيضا هم يقولون : جميع الحوادث الكونية مستند إلى الكواكب وحديث التسخين والتبريد وايتلزامهما اختلاف أفعال النفس لا يتم به