كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 23)

بمعنىالإخراج دون النزع أه كلامه وقواه العلامة الثاني بأنه لا شك أن الشيء إنما يكون آية إذا اشتمل على نوع استغراب واستعجاب بحيث يفتقر إلى نوع اقتدار وذلك إنما هو مفاجأة الظلام عقيب ظهور النهار لا عقيب زوال ضوء النهار
وقال السالكوتي : إن عدم استقامة المفاجأة فيما ذكر لأنها إنما تتصور فيما لا يكون مترقبا بل يحصل بغتة وحينئذ يمكن أن يقال في الجواب : إن نزع الضوء عن الليل لكون ظهوره في غاية الكمال كان المترقب فيه أن يكون في مدة مديدة فحصول الظلام بعده في مدة قصيرة أمر غير مترقب ثم قال وبهذا ظهر الجواب عن التقوية وقيل أن الظلمة لكونها مما تنفر عنها الطباع وتكرهها النفوس يكون حصولها كأنه غير مترقب ويكفي نفس السلخ في الدلالة على الإقتدار والذي يقتضيه ما سبق عن الطيبي واليمنى أن الشيخ والسكاكي أرادا إخراج النهار من الليل إخراجا لا يبقى معه شيء من ضوئه كما قال الزجاج ومآله إزالة ضوء النهار من مكان الليل وموضع ظلمته كما قال الفراء وجاء في كلامهم الظهور بمعنى الزوال كما في قول أبي ذؤيب : وعيرها الواشون أني أحبها وتلك شكاة ظاهر عنك عارها وحكى الجوهري يقال هذا أمر ظاهر عنك عاره أي زائل وقال المرزوقي في قول الحماسي :
وذلك عار يا ابن ريطة ظاهر
أيضا كذلك فلا مانع من أن يكون في كلام الشيخين بهذا المعنى ويراد بالظهور الإظهار والتعبير به مساهلة لظهور أن نسلخ متعد فيرجع الأمر إلى الإزالة فيتحد كلامهما بما قاله الفراء وكذا على ما قيل المراد بالظهور الخروج على وجه المفارقة لظهور الزوال فيه حينئذ وأمر المساهمة على حاله وعلى القول بالإتحاد يجيء اعتراض العلامة والجواب هو الجواب فتأمل والله تعالى الهادي إلى الصواب
وفي الآية على ما قال غير واحد دلالة على أن الأصل الظلمة والنور طاريء عليها يسترها بضوئه وفي الحديث ما يشعر بذلك أيضا وروي أحمد والترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : إن الله تعالى خلق الخلق في ظلمة ثم ألقى عليهم من نوره فمن أصابه من نوره اهتدى ومن أخطأه ضل
والشمس عطف على الليل أي وآية لهم الشمس
وقوله تعالى تجري الخ استئناف لبيان كونها آية وقيل الشمس مبتدأ وما بعده خبر والجملة عطف على الليل نسلخ وقيل غير ذلك فلا تغفل والجري المر السريع وأصله لمر الماء ولما يجري يجريه والمعنى تسير سريعا لمستقر لها لحد معين تنتهي إليه من فلكها في آخر السنة شبه بمستقر المسافر إذا قطع مسيره من حيث أن في كل انتهاء إلى محل معين وإن كان للمسافر قرار دونها وروي هذا عن الكلبي واختاره ابن قتيبة والمستقر عليه اسم مكان واللام بمعنى إلى وقريء بها بدل اللام وجوز أن تكون تعليلية أو لمنتهى لها من المشارق اليومية والمغارب لأنها مشرقا مشرقا ومغربا مغربا حتى تبلغ أقصاها ثم ترجع فذلك حدها ومستقرها لأنها لا تعدوه
وروي عن الحسن وهو متفق في أن المستقر اسم مكان واللام على ما سمعت ومختلف باعتبار أن الأول من استقرار المسافر تشبيها لانتهاء الدورة بالنتهاء السفرة وهذا باعتبار مقنطرات الإرتفاع وبلوغ

الصفحة 11