كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 23)

أوضاع النجوم لا من الوحي وهو كما ترى وأما الإستدلال بقوله تعالى لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس وإن المراد به كبر القدر والشرف لا كبر الجثة ففي غاية الفساد فإن المراد من الخلق ههنا الفعل لا المفعول والآية للدلالة على المعاد أي أن الذي خلق السماوات والأرض وخلقهما أكبر من خلقكم كيف يعجزه أن يعيدكم بعد الموت ونظيرها قوله تعالى أو ليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم وأين هذا من بحث أحكام النجوم وتأثيراتها ومثل هذا الإستدلال بقوله تعالى ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا فإن خلق السماوات والأرض من أعظم الأدلة على وجود فاطرهما وكمال قدرته وحكمته وعلمه وانفراده بالربوبية ومن سوى بينهما وبين البقة فقد كابر ولذا ترى الأشياء الضعيفة كالبعوضة والذباب والعنكبوت إنما نذكر في سياق ضرب الأمثال مبالغة في الإحتقار والضعف ولا تذكر في سياق الإستدلال على عظمة ذي الجلال جل شأنه على أن الآية لو دلت على أن للكواكب تأثيرا لدلت على أن للأرض تأثيرا أيضا كالكواكب وهم يقولوا به وما ذكره بعد من أن دلالة حصول الحياة في أبدان الحيوانات أقوى من دلالة السماوات والأرض إلى آخر ما قال في حيز المنع ونظير ذلك الإستدلال بقوله تعالى وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا فإنه لا يدل أيضا على أن للكواكب تأثيرا وغاية ما تدل عليه هذه الآية ونظائرها أن تلك المخلوقات فيها حكم ومصالح وليست باطلة أي خيالية عن ذلك ونحن نقول بما تدل عليه ولكن لا نقول بأن تلك الحكم هي الإسعاد واشقاء وهبة الأعمار والأرزاق إلى غير ذلك مما يزعمه المنجمون بل هي الآثار الظاهرة في عالم الطبيعة على ما سمعت ونحوها كالدلالة على وجود الصانع وكثير من صفاته جل شأنه التي ينكرها الكفرة ولا مانع من أن يقال خلق الله تعالى كذا لتظهر دلالته على كذا ولا تتعين العبارة التي ذكرها على أنه لا بأس بها عند تدقيق النظر ولعل ما قاله من فروع كون الماهيات غير مجعولة والكلام فيه شهير وأما ما ذكره عن عمر بن الخيام فهو على طرف الثمام وأما ما ذكره في محاجة إبراهيم عليه السلام وتقرير المناظرة على ما قرره فلم يقل به أحد من المفسرين سلفهم وخلفهم بل قد يقطع بأنه يخطر بقلب المشرك المناظر ما هو إلا تفسير بالرأي التشهي نعوذ بالله تعالى من ذلك وأما استدلاله بما روي من نهيه عليه الصلاة و السلام عن استقبال الشمس والقمر عند قضاء الحاجة فبعيد عن حاجته بل لا دلالة للنهي المذكور على تأثير الكواكب الذي يزعمونه وإلا لدل النهي عن استقبال الكعبة عند قضاء الحاجة على أن لها تأثيرا على أن بعض الأجلة قد ذكر أن ذلك النهي لم ينقل فيه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم كلمة واحدة لا بإسناد صحيح ولا ضعيف ولا متصل ولا مرسل وإنما قال بعض الفقهاء في آداب التخلي ولا يستقبل الشمس والقمر فقيل لأن ذلك أبلغ في التستر وقيل : لأن نورهما من نوره تعالى وقيل : لأن اسم الله تعالى مكتوب عليهما
وأما ما ذكر من حديث كسوف الشمس يوم موت إبراهيم وقوله عليه الصلاة و السلام ما قال فصيح لكن لا يدل على ما يزعمه المنجمون وصدر الحديث يدل على أن الشمس والقمر آيتان وليسا بربين ولا إلهين ففيه إشارة إلى نفي التصرف عنهما وفي قوله عليه الصلاة و السلام لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته قولان أحدهما أن موت أحد وحياته لا يكونان سببا لانكسافهما وثانيهما أنه لا يحصل عن انكسافهما موت ولا حياة وإنما

الصفحة 110