كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 23)
أول النهار فأثري وكثر ماله ولا يبعد أن يكون أول السنة كأول النهار أيضا فللأوائل مزية القوة كما هو مشاهد في الشباب والشيخوخة ولله تعالى تجليات في الأزمنة والأمكنة والأشخاص وليس ذلك من تأثير الكواكب في شيء ومثل هذا يقال فيما ذكره الكرماني وقد مر وأما ما ذكره عن اليهودي الذي أخبر ابن عباس رضي الله تعالى عنه فلا نسلم صحته وإن سلم ذلك فهو من جنس إخبار الكهال بشيء من المغيبات وقد أخبر ابن الصياد النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بما أخبر فقال عليه الصلاة و السلام له إنما أنت من إخوان الكهان وعلم مقدمة المعرفة لا يختص بما ذكره المنجمون بل له عدة أسباب يصدق الحكم معها ويكذب منها الكهانة ومنها المنامات ومنها الفأل والزجر وضرب الحصى والخط والكتف والكشف المستند إلى الرياضة وهو كشف جزئي عن بعض الحوادث ويشترك فيه المؤمن والكافر ومنها غير ذلك وللعمال في البحر والسعادة ونحوهم في البر علامات يعرفون بها أوقات المطر والصحو والبرد والريح وغيرها وقلما يخطئون في أخبارهم بل صوابهم في ذلك أكثر من صواب المنجم
وأما ما ذكره من حديث أبي الدرداء فالمحفوظ فيه توفي رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وتركنا وما طائر يقلب جناحيه إلا وقد ذكر لنا منه علما وفيه روايات أخر صحيحة أيضا وكلها ليس فيها وليست الكواكب الخ فهو من أعظم الأدلة على بطلان دعوى المنجمين إذ لم يذكر عليه الصلاة و السلام من أحكام النجوم شيئا البتة وقد علمهم علم كل شيء حتى الخرأة وأما قوله إنه جاء في الآثار أن أول من أعطى هذا العلم آدم عليه السلام الخ فكذب وافتراه على آدم عليه السلام وقد عمل هذا الكاذب المفتري بالمثل الساءر إذا كذبت فأبعد شاهدك ونحو ما روي عن ميمون بن مهران وأما ما نسب إلى الشافعي فهو بعض من حكاية ذكرها أبو عبد الله الحاكم فيما ألفه في مناقبه والحكايات التي ذكرت عنه في أحكام النجوم ثلاث إحداها قال الحاكم : قريء على أبي يعلى حمزة بن محمد العلوي وأكثر ظني أني حضرته حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن العباس الأزدي في آخرين قالوا حدثنا محمد بن أبي يعقوب الجوال الدينوري حدثنا عبد الله بن محمد البلوري حدثني خالي عمارة ابن زيد قال : كنت صديقا لمحمد بن الحسن فدخلت معه يوما على هارون الرشيد فسأله ثم إني سمعت محمد بن الحسن وهو يقول : إن محمد بن إدريس يزعم أنه للخلافة أهل قال فاستشاط هارون من قوله غضبا ثم قال : على به فلما مثل بين يديه أطرق ساعة ثم رفع رأسه إليه فقال : أيها قال الشافعي : ما أيها يا أمير المؤمنين أنت الداعي وأنا المدعو وأنت السائل وأنا المجيب فذكر حكاية طويلة سأله فيها عن العلوم ومعرفته بها إلى أن قال : كيف علمك بالنجوم قال : أعرف الفلك الدائر والنجم السائر والقطب الثابت والمائي والناري وما كانت العرب تسميه الأنواء ومنازل النيرين والإستقامة والرجوع والنحوس والسعود وهيآتها وطبائعها وما استدل به في بري وبحري واستدل في أوقات صلاتي وأعرف ما مضى من الأوقات في إمسائي وإصباحي وظعني في أسفاري ثم ساق العلوم على هذا النحو ومن له علم بالمنقولات يعلم أن هذه الحكاية كذب مختلق وإفك مفترى على الشافعي والبلاء فيها من عند محمد بن عبد الله البلوري فإنه كذاب وضاع وهو الذي وضع رحلة الشافعي وذكر فيها مناظرته لأبي يوسف بحضرة الرشيد ولم ير الشافعي أبا يوسف ولا اجتمع به قط وإنما دخل بغداد بعد موته ويشهد بكذبها أنها تدل على أن محمدا وشى بالشافعي إلى الرشيد وأراد قتله ومحمد أجل من أن ينسب إليه ذلك