كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 23)

وتعظيمه للشافعي ومحبته إياه هو المعروف كتعظيم الشافعي له وثنائه عليه وفيها شواهد أخر على الكذب يعرفها العالم بالمنقول إذا اطلع عليها كلها وثانيتها وهي التي أخذت منها ما ذكرها الإمام قال الحاكم : أخبرنا أبو الوليد الفقيه قال حدثت عن الحسن بن سفيان عن حرملة : قال : كان الشافعي يديم النظر في كتب النجوم وكان له صديق وعنده جارية قد حلبت فقال : إنها تلد إلي سبعة وعشرين يوما ويكون في فخد الولد الأيسر خال أسود ويعيش أربعة وعشرين يوما ثم يموت فكان الأمر كما قال فأحرق بعد ذلك تلك الكتب وما عاود النظر في شيء منها وهذا الإسناد رجاله ثقات لكن الشأن فيمن حدث أبا الوليد عن الحسن بن سفيان أو فيمن حدث الحسن عن حرملة ويدل على كذب الحكاية أنها لو صحت لوجب أن تثني الخناصر على هذا العلم وتشد الأيدي لا أن تحرق كتبه ولا يعاود النظر في شيء منها وإن الطالع عند المنجمين طالعان طالع مسقط المطفة وهو الطالع الأصلي الذي يزعمون دلالته على وقت الولادة والحكاية لم تتضمن أن الشافعي نظر فيه ولو كان لتضمنه وطالع الولادة وإخبار الشافعي قبلها ضرورة أنه قال : إنها تلد إلى سبعة وعشرين يوما وثالثتها قال الحاكم : أنبأني عبد الرحمن بن الحسن القاضي أن زكريا بن يحيى الساجي حدثهم قال أخبرني أحمد بن محمد بن بنت الشافعي قال سمعت أبي يقول : كان الشافعي وهو حدث ينظر في النجوم وما نظر في شيء إلا فاق فيه فجلس يوما وامرأة تلد فحسب فقال : تلد جارية عوراء على فرجها خال أسود وتموت إلى كذا وكذا فولدت فكان كما قال فجعل على نفسه أن لا ينظر فيه أبدا وأمر هذه الحكاية كالتي قبلها فإن ابن بنت الشافعي لم يلق الشافعي ولا رآه والشأن فيمن حدث بها عنه وأيضا طالع مسقط النطفة لم يؤخذ والخبر قبل تحقق طالع الولادة ثم إن هذه الحكاية إن كان قبل تحقق الحكاية التي قبلها لم تكد تحقق وإن كان تحقق تلك قبل لم تكد هذه تحقق كما لا يخفى على المنصف والذي صح عن الشافعي في أمر النجوم أنه كان يعرف ما كانت العرب تعرفه من علم المنازل والإهتداء بالنجوم في الطرقات وأما غير ذلك من الأحكام التي يزعمها المنجمون فلا وكان رضي الله تعالى عنه شديد الإنكار على المتكلمين مزريا بهم حكمه فيهم أن يضربوا بالجريد ويطاف بهم في القبائل فما تراه في المنجمين الذين شاع هذيانهم وقبح عند ذوي العفول السليمة شأنهم نعم كانت له رضي الله تعالى عنه اليد الطولى في علم الفراسة وقد خرج إلى اليمن لجمع كتبه منها ما جمع وله فيها حكايات يقضي منها العجب ولعل إخباره بأمر المولود لو صح من ذلك العلم والناقل لجهله أو لأمر آخر أسنده للنظر في أحكام النجوم وقال ما قال وأما ما ذكر عن ابن إسحاق من أن فرعون كان يقتل أبناء بني إسرائيل لأخبار المنجمين إياه بأنه سيولد لهم مولود يكون هلاكه على يده فهو كما قال بعض الأجلة من أخبار أهل الكتاب ومخالف لروايات أكثر المفسرين فإنهم أحالوا ذلك على إخبار الكهان وروي بعضهم أن قومه أخبروه بأن بني إسرائيل يزعمون أنه يولد منهم مولود يكون هلاكك على يديه وفي أخبار الكهعان ما هو أعجب من ذلك ومنها خبرهم بظهور خاتم الرسل صلى الله عليه و سلم وانتشار أمره ونحن لا ننكر على تقدمة المعرفة بأسباب مفضية إلى مثل ذلك يختلف قوى الناس في إدراكها وتحصيلها وإنما كلامنا مع المنجمين في أصول علم الأحكام وبيان فسادها وكذب أكثر الأحكام التي يسندونها إليها وأما ما ذكره في الإستدلال بالمعقول من أنه ما خلت عن هذا العلم ملة من الملل ولا أمة من الأمم وأنهم لم يزالوا مشتغلين

الصفحة 114