كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 23)

به معولين في معرفة المصالح عليه إلى آخر ما قال ففرية من غير مرية ويا عجبا من دعواه إطباق أهل المشرق والمغرب من أول بناء العالم إلى آخره عليه وهم يقولون إنما أسست أصوله وأوضاعه في زمن هرمس الهرامسة يعنون به إدريس عليه السلام وهو بعد بناء العالم بكثير وأيضا قد رده كثير من الفلاسفة وجمع غفير من أساطين الإسلام حتى أنه قد ألف ما يزيده على مائة مصنف في رده وإبطاله وقد قال أبو نصر الفارابي : اعلم أنك لو قبلت أوضاع المنجمين فجعلت الحار باردا والبارد حارا والسعد نحسا والنحس سعدا والذكر أنثى والأنثى ذكرا ثم حكمت لكانت أحكامك من جنس أحكامهم تصيب تارة وتخطيء تارات وقد زيف أمرهم ابن سينا في كتابيه الشفاء والنجاة وكذا أبو البركات البغدادي في كتاب التعبير له هذا ما اختاره بعض المحققين في الرد على المنجمين وأعود فأقول : الذي أراه في هذا المقام ويترجح عندي من كلام العلماء الأعلام أن الله عز و جل لم يخلق شيئا باطلا خاليا عن حكمة ومنفعة بل خلق الأشياء علويها وسفليها جليلها ودنيها مشتملة على حكم لا تحصى ومنافع لا تستقصي وإن تفاوتت في أفرادها قلة وكثرة وخص كلا منها بخلاصة لا توجد في غيرها مع اشتراك الكل في الدلالة على وجوده تعالى ووحدته وعلمه وقدرته : ولله في كل تحريكة وتسكينة أبدا شاهد وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد فالأجرام العلوية مشتركة في هذه الدلالة مختص كل منها بخاصة وشأن الكواكب في خواصها وتأثيراتها كشأن النباتات والمعدنيات والحيوانات في خواصها وتأثيراتها فمنها ما خاصته في نفسه غير متوقفة على ضم شيء آخر إليه ومنها ما خاصته متوقفة على ضم شيء آخر ومنها ما إذا ضم إليه شيء أسقط خاصته وأبطل منفعته ومنها ما يعقل وجه تأثيره ومنها ما لا يعقل ومنها ما يؤثر في مكان دون مكان وزمان دون زمان ومنها ما يؤثر في جميع الأزمنة والأمكنة إلى غير ذلك من الأحوال وكونها زينة للسماء لا يستدعي نفي أن يكون فيها منفعة أخرى على حد ما في الأرض فقد قال سبحانه : إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها مع اشتمال الأزهار وغيرها على ما تعلم وما لا تعلم من المنافع وكذلك كونها علامات يهتدى بها في ظلمات البر والبحر وكونها رجوما للشياطين ولا أقول ببساطة الأفلاك ولا ببساطة الكواكب ولا بانحصارها فيما يشاهد ببصر أو رصد ولا بذكورة بعد وأنوثة آخر إلى كثير مما يزعمه المنجمون وأقول : إن الله تعالى أودع في بعضها تأثيرا حسبما أودع في أزهار الأرض ونحوها وأنها لا تؤثر إلا بإذنه عز و جل كما هو مذهب السلف في سائر الأسباب العادية وإن شئت فقل كما قال الأشاعرة فيها وأنه لا يبعد أن يكون بعضها علامات لاحداثه تعالى أمورا لا بواسطتها في أحد العالمين العلوي والسفلي يعرفها من يوفقه الله تعالى عليها من ملائكته وخواص عباده وارتباط كثير من السفليات بالعلويات مما قال به الأكابر ولا ينكره إلا مكابر ولا أنسب أثرا من الآثار إلى كوكب بخصوصه على القطع لاحتمال شركة كوكب أو أمر آخر نعم الظاهر يقتضي كثرة مدخلية بعض الكواكب في بعض الآثار كالقمر في مد البحار وجزرها فإن منها ما يأخذ في الإزدياد حين يفارق القمر الشمس إلى وقت الإمتلاء ثم إنه يأخذ في الإنتقاص ولا يزال نقصانه يستمر بحسب نقصان القمر إلى المحاق ومنها ما يحصل فيه المد في كل يوم وليلة مع طلوع القمر وغروبه كبحر فارس وبحر الهند وبحر الصين وكيفيته أنه إذا بلغ

الصفحة 115