كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 23)

أقصاها ومقنطرات الإنخفاض كذلك والإستقرار باعتبار عدم التجاوز عن الأول في استقصاء المشارق وعن الثاني في استقصاء المغارب أو لحد لها من مسيرها كل يوم في رأي عيوننا وهو المغرب والمستقر عليه اسم مكان أيضا واللام كما سمعت أو لكبد السماء ودائرة نصف النهار فالمستقر واللام على نظير ما تقدم
وكون ذلك محل قرارها إما مجاز عن الحركة البطيئة أو هو باعتبار ما يتراءى قال ذو الرمة يصف فرسه وجريه في الظهيرة وشدة الحر : معروريا رمض الرضراض تركضه والشمس حيرى لها بالجو تدويم أو لا استقرار لها ومكث في كل برج من البروج الإثني عشر على نهج مخصوص فالمستقر مصدر ميمي واللام داخلة على الغاية أو الحامل وقيل تجري لبيتها وهو برج الأسد واستقرارها عبارة عن حسن حالها فيه وهذا غير مقبول إلا عند أهل الأحكام ولا يخفى حكمهم على محققي الإسلام وقال قتادة ومقاتل المعنى تجري إلى وقت لها لا تتعداه قال الواحدي : وعلى هذا مستقرها انتهاء سيرها عند انقضا الدنيا وهذا اختيار الزجاج كما قال النووي : في شرح صحيح مسلم ومستقر عليه اسم زمان وفي غير واحد من الصحاح عن أبي ذر قال : كنت مع النبي صلى الله عليه و سلم في المسجد عند غروب الشمس فقال يا أبا ذر أتدري أين تذهب هذه الشمس قلت الله تعالى ورسوله أعلم قال : تذهب لتسجد فتستأذن فيؤذن لها ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها وتستأذن فلا يؤذن لها فيقال لها ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها فذلك قوله عز و جل والشمس تجري لمستقر لها وفي رواية أتدرون أين تذهب هذه الشمس قالوا : الله تعالى ورسوله أعلم قال إن هذه تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة وفي ذلك عدة روايات وقد روي مختصرا جدا
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي عن أبي ذر قال : سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم عن قوله تعالى : والشمس تجري لمستقر لها قال مستقرها تحت العرش فالمستقر اسم مكان والظاهر أن للشمس فيه قرارا حقيقة قال النووي : قال جماعة بظاهر الحديث قال الواحدي : وعلى هذا القول إذا غربت الشمس كل يوم استقرت تحت العرش إلى أن تطلع ثم قال النووي : وسجودها بتمييز وإدراك يخلقه الله تعالى فيها
وذكر ابن حجر الهيتي في فتاويه الحديثية أن سجودها تحت العرش إنما هو عند غروبها وحكى فيها عن بعضهم أنها تطلع من سماء إلى سماء حتى تسجد تحت العرش وتقول : يا رب إن قوما يعصونك فيقال لها ارجعي من حيث جئت فتنزل من سماء إلى سماء حتى تطلع من المشرق وبنزولها إلى سماء الدنيا يطلع الفجر وفيها أيضا أخرج أبو الشيخ عن عكرمة أنها إذا غربت دخلت نهرا تحت العرش فتسبح ربها حتى إذا أصبحت استعفت ربها عن الخروج فيقول سبحانه لم فتقول أني إذا خرجت عبدت من دونك والسجود تحت العرش قد جاء أيضا من روايات الأمامية ولهم في ذلك أخبار عجيبة منها أن الشمس عليها سبعون ألف كلاب وكل كلاب يجره سبعون ألف ملك من مشرقها إلى مغربها ثم ينزعون منها النور نتخر ساجدة تحت العرش ثم يسألون

الصفحة 12