كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 23)

ويحيى بن عبد الرحمن المقري وابن أبي عبلة يزفون مضارع وزف بمعنى أسرع قال الكسائي والفراء : لا نعرف وزف بمعنى زف وقد أثبته الثقات فلا يضر عدم معرفتهما وقريء يزفون بالبناء للمفعول وقريء يزفون بسكون الزاي من زفاه إذا حداه كأن بعضهم يزفو بعضا لتسارعهم إليه قال بعد أن أتوا به عليه السلام وجرى ما جرى من المحاورة على سبيل التوبيخ والإنكار عليهم أتعبدون ما تنحتون
95
- أي الذي تنحتونه من الأصنام فما موصولة حذف عائدها وهو الظاهر المتبادر وجوز كونها مصدرية أي أتعبدون نحتكم وتوبيخهم على عبادة النحت مع أنهم يعبدون الأصنام وهي ليست نفس النحت للإشارة إلى أنهم في الحقيقة إنما عبدوا النحت لأن الأصنام قبله حجارة ولم يكونوا يعبدونها وإنما عبدوها بعد أن نحتوها ففي الحقيقة ما عبدوا إلا نحتهم وفيه ما فيه والله خلقكم وما تعملون
96
- في موضع الحال من ضمير تعبدون لتأكيد الإنكار والتوبيخ والإحتجاج على أنه لا ينبغي تلك العبادة وما موصولة حذف عائدها أيضا أي خلقكم وخلق الذي تعملونه أي من الأصنام كما هو الظاهر وهي عبارة عن مواد وهي الجواهر الحجرية وصور حصلت لها بالنحت وكون المواد مخلوقة له عز و جل ظاهر وكون الصور والأشكال كذلك مع أنها بفعلهم باعتبار أن الأقدار على الفعل وخلق ما يتوقف عليه الدواعي والأسباب منه تعالى وكون الأصنام وهي ما سمعت معمولة لهم باعتبار جزئها الصوري فهو مع كونه معمولا لهم مخلوق لله تعالى بذلك الإعتبار فلا إشكال
وفي المسألة المهمة تأليف الشيخ إبراهيم الكوراني عليه الرحمة صرح الكلام دال على أن الله تعالى خالق للأصنام بجميع أجزائها التي منها الأشكال ومعلوم أن الأشكال إنما حصلت بتشكيلهم فتكون الأشكال مخلوقة لله تعالى معلومة لهم لكون نحتهم وتشكيلهم عين خلق الله تعالى الإشكال بهم
ولا استحالة في ذلك لأن العبد لا قوة له إلا بالله تعالى بالنص ومن لا قوة له إلا بغيره فالقوة لذلك الغير لا له فلا قوة حقيقة إلا لله تعالى ومن المعلوم أنه لا فعل للعبد إلا بقوة فلا فعل له إلا بالله تعالى فلا فعل حقيقة إلا لله تعالى وكل ما كان كذلك كان النحت والتشكيل عين خلق الله سبحانه الأشكال بهم وفيهم بالذات وغيره بالإعتبار فيكون المعمول عين المخلوق بالذات وغيره بالإعتبار فإن إيجاد الله عز و جل يتعلق بذات الفعل من حيث هو وفعل العبد بالمعنى المصدري يتعلق بالفعل بمعنى الحاصل بالمصدر من حيث كونه طاعة أو معصية أو مباحا لكونه مكلفا والله تعالى له الإطلاق ولا حاكم عليه سبحانه انتهى فافهم
والزمخشري جعل أيضا ما موصولة إلا أنه جعل المخلوق له تعالى هو الجواهر ومعمولهم هو الشكل والصورة إما على أن الكلام على حذف مضاف أي وما تعملون شكله وصورته وأما على أن الشائع في الإستعمال ذلك فإنهم يقولون عمل النجار الباب والصائغ الخلخال والبناء البناء لا يعنون إلا عمل الشكل بدون تقدير شكل في النظم كأن تعلق العمل بالشيء هو هذا التعلق لا تعلق التكوين وهو مبني على اعتقاده الفاسد منان أفعال العباد مخلوقة لهم والإحتجاج في الآية على الأول بأن يقال : إنه تعالى خلق العابد والمعبود مادة وصورة فكيف يعبد المخلوق المخلوق وعلى الثاني بأنه تعالى خلق العابد ومادة المعبود فكيف يعبد المخلوق المخلوق على أن العابد منهما هو الذي عمل صورة المعبود والأول أظهر وعدل عن ضمير ما تنحتون أو

الصفحة 124