كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 23)

الصابرين بل أخرج الكلام على وجه لا يشعر بوجود صابر سواه لم يتيسر له الصبر مع أنه لم يهمل أمر الإستثناء
وفيه أيضا إغراء لأبيه عليه السلام على الصبر لما يعلم من شفقته عليه مع عظم البلاء حيث أشار إلى أن لله تعالى عبادا صابرين وهي زهرة ربيع لا تتحمل الفرك فلما أسلما أي استسلما وإنقادا لأمر الله تعالى فالفعل لازم أو سلم الذبيح نفسه وإبراهيم ابنه على أنه متعد والمفعول محذوف
وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه وابن عباس وعبد الله ومجاهد والضحاك وجعفر بن محمد والأعمش والثوري سلما وخرجت على ما سمعت ويجوز أن يكون المعنى فوضا إليه تعالى في قضائه وقدره وقريء استسلما وأصل الأفعال الثلاثة سلم هذا لفلان إذا خلص له فإنه سلم من أن ينازع فيه وتله للجبين
103
- صرعه على شقه فوقع جبينه على الأرض وأصل التل الرمي على التل وهو التراب المجتمع ثم عمم في كل صرع والجبين أحد جانبي الجبال وشذ جمعه على أجبن وقياسه في القلة أجبنة ككثيب وأكثبة وفي الكثرة جبنان وجبن ككثبان زكثب واللام لبيان ما خر عليه كما في قوله تعالى يخرون للأذقان وقوله
وخر صريعا لليدين وللفم
وليست للتعدية وقيل المراد كبه على وجهه وكان ذلك بإشارة منه أخرج غير واحد عن مجاهد أنه قال لأبيه : لا تذبحني وأنت تنظر إلى وجهي عسى أن ترحمني فلا تجهز علي أربط يدي إلى رقبتي ثم ضع وجهي للأرض ففعل فكان ما كان ولا يخفى إن إرادة ذلك من الآية بعيد نعم لا يبعد أن يكون الذبيح قال هذا
وفي الآثار حكاية أقوال غير ذلك أيضا منها ما في خبر للسدي أنه قال لأبيه عليهما السلام : يا أبت اشدد رباطي حتى لا أضطرب واكفف عني ثيابك حتى لا ينتضح عليها من دمي شيء فتراه أمي فتحزن وأسرع مر السكين على حلقي فيكون أهون للموت علي فإذا أتيت أمي فاقرأ عليها السلام مني فأقبل عليه إبراهيم يقبله وكل منهما يبكي ومنها ما في حديث أخرجه أحمد وجماعة عن ابن عباس أنه قال لأبيه وكان عليه قميص أبيض يا أبت ليي لي ثوب تكفنني فيه غيره فاخلعه حتى تكفنني فيه فعالجه ليخلعه فكان ما قص الله عز و جل
وكان ذلك عند الصخرة التي بمنى وعن الحسن في الموضع المشرف على مشجد منى وعن الضحاك في المنحر الذي ينحر فيه اليوم وقيل كان ببيت المقدس وحكى ذلك عن كعب وحكى الإمام مع هذا القول أنه كان بالشام
وناديناه أن يا إبراهيم
104
- قد صدقت الرؤيا قيل ناداه من خلفه ملك من قبله تعالى بذلك و أن مفسرة بمعنى أي وقرأ زيد بن علي قد صدقت بحذفها وقريء صدقت بالتخفيف وقرأ فياض الريا بكسر الراء والإدغام وتصديقه عليه السلام الرؤيا توفيته حقها من العمل وبذل وسعه في إيقاعها وذلك بالعزم والإتيان بالمقدمات ولا يلزم فيه وقوع ما رآه بعينه وقيل هو إيقاع تأويلها ما وقع ويفهم من كلام الإمام أنه الإعتراف بوجوب العمل بها ولا يدل على الإتيان بكل ما رآه في المنام وهل أمر عليه السلام الشفرة على حلقه أم لا قولان ذهب إلى الثاني منهما كثير من الأجلة وقد أخرج الإمام أحمد عن ابن عباس أنه عليه السلام لما أخذ الشفرة وأراد أن يذبحه نودي من خلفه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا وأخرج هو وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عنه أنه عالج قميصه ليخلعه فنودي بذلك
وأخرج ابن المنذر والحاكم وصححه من طريق مجاهد عنه أيضا فلما أدخل يده ليذبحه فلم يحمل المدية حتى

الصفحة 130