كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 23)
اللهم من مات لا يشرك بك شيئا قد أحسن فاغفر له وتعقب هذا بأن عبد الرحمن ضعيف وقال ابن كثير الحديث عريب منكر وأخشى أن يكون فيه زيادة مدرجة وهي قوله : إن الله تعالى لما فرج الخ وإن كان محفوظا فالأشبه إن السياق عن إسماعيل وحرفوه بإسحاق إلى غير ذلك من الأخبار وفيها من الموقوف والضعيف والموضوع كثير ومتى صح حديث مرفوع في أنه إسحاق قبلناه ووضعناه على العين والرأس
والذاهبون إلى هذا القول يدعون صحة شيء منها في ذلك وأجيب عن بعض ما استدل به للأول بأن وقوع القصة بمكة غير مسلم بل كان ذلك بالشام وتعليق القرنين في الكعبة لا يدل على وقوعها بمكة لجواز أنها نقلا من بلاد الشام إلى مكة فعلقا فيها وعلى تسليم الوقوع بمكة لا مانع من أن يكون إبراهيم قد سار به من الشام إليها قد روي القول به أخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن سعيد بن جبير قال : لما رأى إبراهيم في المنام ذبح إسحاق سار به من منزله إلى المنحر بمنى مسيرة شهر في غداة واحدة فلما صرف عنه الذبح وأمر بذبح الكبش ذبحه ثم راح به رواحا إلى منزله في عشية واحدة مسيرة شهر طويت له الأدوية والجبال وأمر الفخر لو سلم بالإستدلال به كثير فخر والخير الذي فيه يا ابن الذبيحين غريب وفي إسناده من لا يعرف حاله وفيه ما هو ظاهر الدلالة على عدم صحته من قوله فلما فرغ أسهم بينهم فكانوا عشرة فخرج السهم على عبد الله فإن عبد الله بإجماع أهل الأخبار لم يكن مولودا عند حفر زمزم وقصة نذر عبد المطلب ذبح أحد أولاده تروى بوجه آخر وهو أنه نذر البذح إذا بلغ أولاده عشرا فلما بلغوها بواسطة عبد الله كان ما كان
وما شاع من خبر أن ابن الذبيحين قال العراقي لم أقف عليه والخبر السابق بعد ما عرف حاله لا يكفي لثبوته حديثا فلا حاجة إلى تأويله بأنه أريد بالذبيحين فيه إسحاق وعبد الله بناء على أن الأب قد يطلق على العم أو أريد بهما الذابحان وهما إبراهيم وعبد المطلب بحمل فعيل على معنى فاعل لا مفعول وحمل هؤلاء وبشرناه بإسحاق نبيا على أن البشارة بنبوته وما تقدم على البشارة بأن يوجد قبل ولما كان التبشير هناك قبل الولادة والتسمية إنما تكون بعدها في الأغلب لم يسم هناك وسماه هنا لأنه بعد الولادة واستأنس للإتحاد بوصفه بكونه من الصالحين لأن مطلوبه كان ذلك فكأنه قيل له هذا الغلام الذي بشرت به أولا هو ما طلبته بقولك رب هب لي من الصالحين وأنت تعلم أن حمله على البشارة خلاف الظاهر إذ كان الظاهر أن يقال لو أريد ذلك بشرناه بنبوته ونحوه وتقدير أن يوجد نبيا لا يدفعه كما لا يخفى وكذا وصفه بالصلاح الذي طلبه فتأمل
ومن العلماء من رأى قوة الأدلة من الطرفين ولم يترجح شيء منها عنده فتوقف في التعيين كالجلال السيوطي عليه الرحمة فإنه قال في آخر رسالته السابقة : كنت ملت إلى القول بأن الذبيح إسحاق في التفسير وأنا الآن متوقف عن ذلك وقال بعضهم كما نقله الخفاجي : إن في الدلالة على كونه إسحاق أدلة كثيرة وعليه جملة أهل الكتاب ولم ينقل في الحديث ما يعارضه فلعله وقع مرتين مرة بالشام لأسحاق ومرة بمكة لأسماعيل عليهما السلام والتوقف عندي خير من هذا القول والذي أميل أنا إليه أنه إسماعيل عليه السلام بناء على أن ظاهر الآية يقتضيه وأنه المروي عن كثير من أئمة أهل البيت ولم أتيقن صحة حديث مرفوع يقتضي خلاف ذلك وحال أهل الكتاب لا يخفى على ذوي الألباب