كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 23)

لا تقل دارها بشرقي نجد كل نجد للعامرية دار وهذا أمر مقرر عند السادة الصوفية مشهور فيما بينهم وهو غير طي المسافة وإنكار من ينكر كلا منهما عليهم مكابرة لا تصدر إلا من جاهل أو معاند وقد عجب العلامة التفتازاني من بعض أهل السنة أي كابن مقاتل حيث حكم بالكفر على معتقد ما روي عن إبراهيم بن أدهم قدس سره أنهم رأوه بالبصرة يوم التروية ورؤى ذلك اليوم بمكة ومبناه زعم أن ذلك من جنس المعجزات الكبار وهو مما لا يثبت كرامة لولي وأنت تعلم أن المعتمد عندنا جواز ثبوت الكرامة للولي مطلقا إلا فيما يثبت بالدليل عدم إمكانه كالإتيان بسورة مثل إحدى سور القرآن وقد أثبت غير واحد تمثل النفس وتطورها لنبينا صلى الله عليه و سلم بعد الوفاة وادعى أنه عليه الصلاة و السلام قد يرى في عدة مواضع في وقت واحد مع كونه في قبره الشريف يصلي وقد تقدم الكلام مستوفي في ذلك وصح أنه صلى الله عليه و سلم رأى موسى عليه السلام يصلي في قبره عند الكثيب الأحمر ورآه في السماء وجرى بينهما ما جرى في أمر الصلوات المفروضة وكونه عليه السلام عرج إلى السماء بجسده الذي كان في القبر بعد أن رآه النبي صلى الله عليه و سلم مما لم يقل أحد جزما والقول به احتمال بعيد وقد رأى صلى الله عليه و سلم ليلة أسري به جماعة من الأنبياء غير موسى عليه السلام في السماوات مع أن قبورهم في الأرض ولم يقل أحد إنهم نقلوا منها إليها على قياس ما سمعت آنفا وليس ذلك مما ادعى الحكميون استحالته من شغل النفس الواحدة أكثر من بدن واحد بل هو أمر وراءه كما لا يخفى على من نور الله تعالى بصيرته فيمكن أن يقال : إن للشمس نفسا مثل تلك الأنفس القدسية وأنها تنسلخ عن الجرم المشاهد المعروف مع بقاء نوع من التعلق لها به فتعرج إلى العرش فتسجد تحته بلا واسطة وتستقر هناك وتستأذن ولا ينافي ذلك سير هذا الجرم المعروف وعدم سكونه حسبما يدعيه أهل الهيئة وغيرهم ويكون ذلك إذا غربت ولجاوزت الأفق الحقيقي وانقطعت رؤية سكان المعمور من الأرض إياها ولا يضر فيه طلوعها إذ ذاك في عرض تسعين ونحوه لأن ما ذكرنا من كون السجود والسكون باعتبار النفس المنسلخة المتمثلة بما شاء الله تعالى لا ينافي سير الجرم المعروف بل لو كان نصف النهار في خط الإستواء لم يضر أيضا ويجوز أن يقال سجودها بعد غروبها عن أفق المدينة ولا يضر فيه كونها طالعة إذ ذاك في أفق آخر لما سمعت إلا أن الذي يغلب على الظن ما ذكر أولا وعلى هذا الطرز يخرج ما يحكى أن الكعبة كانت تزور واحدا من الأولياء بأن يقال إن الكعبة حقيقية غير ما يعرفه العامة وهي باعتبار تلك الحقيقة تزور والناس يشاهدونها في مكانها أحجارا مبنية
وقد ذكر الشيخ الأكبر قدس سره في الفتوحات كلاما طويلا ظاهرا في أن لها حقيقة غير ما يعرفه العامة وفيه أنه كان بينه وبينها زمان مجاورته مراسلات وتوسلات ومعاتبة دائمة وأنه دون بعض ذلك في جزء سماه تاج الوسائل ومنهاج الرسائل وقد سأل نجم الدين عمر النسفي الإنس والجمي عما يحكم أن الكعبة كانت تزور الخ يجوز القول به فقال نقض العادة على سبيل الكرامة لأهل الولاية جائز عند أهل السنة وارتضاه العلامة السعد وغيره لكن لم أر من خرج زيارتها على هذا الطرز وظاهر كلام بعضهم أن ذلك بذهاب الجسم المشاهد منها إلى المزور وانتقاله من مكانه ففي عدة الفتاوي وألولوالجية وغيرهما لو ذهبت الكعبة لزيارة بعض الأولياء فالصلاة إلى هوائها ويمكن أن يكون أريد به غير ما يحكى فإنه والله تعالى أعلم لم يكن بانتقال

الصفحة 14