كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 23)

أخدموه أربعمائة سادن وجعلوهم أنبياءه فكان الشيطان يدخل في جوفه ويتكلم بشريعة الضلالة والسدنة يحفظونها ويعلمونها الناس وقيل هو اسم امرأة أتتهم بضلالة فاتبعوها واستؤنس له بقراءة بعضهم بعلاء بالمد على وزن حمراء وظاهر صرفه أنه عربي على القوليسن فلا تغفل
وقال عكرمة وقتادة البعل الرب بلغة اليمن : وفي رواية أخرى عن قتادة بلغة أزدشنوءة واستام ابن عباس ناقة رجل من حمير فقال : له أنت صاحبها قال : بعلها فقال ابن عباس أتدعون بعلا : أتدعون ربا ممن أنت قال : من حمير والمراد عليه أتدعون بعض البعول أي الأرباب والمراد بها الأصنام أو المعبودات الباطلة فالتنكير للتبعيض فيرجع لما قيل قبله وتذرون أحسن الخالقين
125
- أي وتتركون عبادته تعالى أو طلب جميع حاجكم منه عز و جل على أن الكلام على حذف مضاف وقيل إن المراد بتركهم إياه سبحانه تركهم عباده عز و جل والمراد بالخالق من يطلق عليه ذلك وله بهذا الإعتبار أفراد وأن اختلفت جهة الإطلاق فيها فلا إشكال في أضافة أفعل إلى ما بعده وها هنا سؤال مشهور وهو ما وجه العدول عن تدعون بفتح التاء والدال مضارع ودع بمعنى ترك تذرون مع مناسبته ومجانسته لتدعون قبله دون تذرون وأجيب عن ذلك بأجوبة الأول أن في ذلك نوع تكلف والجناس المتكلف غير ممدوح عند البلغاء ولا يمدح عندهم مالم يجيء عفوا بطريق الإقتضاء ولذا ذموا متكلفه فقيل فيه : طبع المجنس فيه نوع قيادة أو ما ترى تأليفه للأحرف قاله الخفاجي وفي كون هذا البيت في خصوص المتكلف نظر وبعد فيه ما فيه الثاني أن في تدعون إلباسا على من يقرأ من المصحف دون حفظ من العوام بأن يقرأه كتدعون الأول ويظن أن المراد إنكار بين دعاء بعمل ودعاء أحسن الخالقين وليس بالوجه إذ ليس من سنة الكتاب ترك ما ليس على العوام كما لا يخفى على الخواص
والصحابة أيضا لم يراعوهم وإلا لما كتبوا المصحف غير منقوط ولا ذا شكل كما هو المعروف اليوم وفي بقاء الرسم العثماني معتبرا إلى انقضاء الصحابة ما يؤيد ما قلنا الثالث أن التجنيس تحسين وإنما يستعمل في مقام الرضا والإحسان لا في مقام الغضب والتهويل وفيه أنه وقع فيما نفاه قال تعالى ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة وقال سبحانه يكاد برقه يذهب بالأبصار يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار وفيهما الجناس التام حال المقام الرابع ما نقل عن الإمام فإنه سئل عن سبب ترك تدعون إلى تذرون فقال : ترك لأنهم اتخذوا الأصنام آلهة وتركوا الله تعالى بعدما عملموا أن الله سبحانه ربهم ورب آبائهم الأولين استكبارا واستنكارا فلذلك قيل وتذرون ولم يقل وتدعون وفيه القول بأن دع أمر بالترك قبل العلم وذر أمر بالترك بعده ولا تساعده اللغة والإشتقاق الخامس أن لإنكاد كل من فعلى دعاء بعل وترك أحسن الخالقين على غير علة إنكار الآخر فترك التجنيس رمزا إلى شدة المغايرة بين الفعلين السادس أنه لم يكن مجانسة بين المفعولين بوجه من الوجوه ترك التجنيس في الفعلين المتعلقين بهما وإن كانت المجانسة المنفية بين المفعولين شيئا والمجانسة التي نحن بصددها بين الفعلين شيئا آخر وكلا الجوابين كما ترى السابع أن يدع إنما استعملته العرب في الترك الذي لا يذم مرتكبه لأنه من الدعة بمعنى الراحة ويذر بخلافه لأنه يتضمن إهانة وعدم اعتداد لأنه من الوذر قطعة اللحم الحقيرة التي لا يعتد بها واعترض بأن المتبادر من قوله بخلافه أن يذر إنما استعملته العرب في الترك

الصفحة 140