كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 23)
فأمر الله تعالى يقطينا فصعد على رأسه ليكون ظلا له من كربه ففرح باليقطين فرحا عظيما وأمر الله تعالى دودة فضربت اليقطين فجف ثم هبت ريح سموم وأشرقت الشمس على رأس يونس عليه السلام فعظم الأمر عليه واستطيب الموت فقال له الرب : يا يونس أحزنت جدا على اليقطين فقال نعم يا رب حزنت جدا فقال سبحانه : حزنت عليه وأنت لم تتعب فيه ولم تربه بل صار من ليلته وهلك من ليلته فأنا لا أشفق على نينوى المدينة العظيمة التي فيها سكان أكثر من اثني عشر ربوىة من الناس قوم لا يعلمون يمينهم ولا شمالهم وبهائمهم كثيرة انتهى وفيه من المخالفة للحق ما فيه ولتطلع على حاله نقلته لك ومكم لأهل الكتاب من باطل : فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون
149
- أمر الله تعالى نبيه في صدر السورة الكريمة بتبكيت قريش وإبطال مذهبهم في إنكار البعث بطريق الإستفتاء وساق البراهين الناطقة بتحققه لا محالة وبين وقوعه وما يلقونه عند ذلك من فنون العذاب واستثنى منهم عباده المخلصين وفصل سبحانه ما لهم من النعيم المقيم ثم ذكر سبحانه أنه قد ضل من قبلهم أكثر الأولين وأنه تعالى أرسل إليهم منذرين على وجه الإجمال ثم أورد قصص بعض الأنبياء عليهم السلام بنوع تفصيل متضمنا كل منها ما يدل على فضلهم وعبوديتهم له عز و جل ثم أمره صلى الله عليه و سلم ههنا بتبكيتهم بطريق الإستفتاء عن وجه ما تنكره العقول بالكلية وهي القسمة الباطلة اللازمة لما كانوا عليه من الإعتقاد الزائغ حيث كانوا يقولون كبعض أجناس العرب جهينة وسليم وخزاعة وبني مليح : الملائكة بنات الله سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا ثم بتبكيتهم بما يتضمنه كفرهم المذكور من الإستهانة بالملائكة عليهم السلام بجعلهم إناثا ثم أبطل سبحانه أصل كفرهم المنطوي على هذين الكفرين وهو نسبة الولد إليه سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا ولم ينظمه سبحانه في سلك التبكيت لمشاركتهم اليهود القائلين عزير ابن الله والنصارى المعتقدين عيسى ابن الله تعالى عن ذلك والفاء قيل لترتيب الأمر ما يعلم مما سبق من كون أولئك الرسل أعلام الخلق عليهم السلام عباده تعالى فإن ذلك مما يؤكد التبكيت ويظهر بطلان مذهبهم الفاسد فكأنه قيل : إذا كان رسل ربك من علمت حالهم فاستخبر هؤلاء الكفرة عن وجه كون النبات وهن أوضع الجنسين له تعالى بزعمهم والنبيين الذين أرفعهما لهم فإنهم لا يستطيعون أن يثبتوا له وجها لأنه في غاية البطلان لا يقوله من له أدنى شيء من العقل وقال بعض الأجلة : الكلام متصل بقوله تعالى في أول السورة فاستفتهم أهم أشد خلقا على أن الفاء هنا للعطف على ذاك والتعقيب لأنه أمر بهما من غير تراخ وهي هناك جزائية في جواب شرط مقدر وبهذا القول أقول وأورد عليه أبو حيان أن فيه الفصل الطويل وقد استقبح النحاة الفصل بجملة نحو أكلت لحما واضرب زيدا وخبزا فما ظنك بالفعل بجمل بل يقرب من سورة وأجيب بأن ما ذكر في عطف المفردات وأما الجمل فلاستقلالها يغتفر فيها ذلك والكلام هنا لما نعانقت معانيه وارتبطت مبانيه وأخذ بعضها بحجز بعض حتى كأن الجميع كلمة واحدة لم يعد البعد بعدا كما قيل وليس يضير البعد بين جسومنا إذا كان ما بين القلوب قريبا ووجه ترتب المعطوف على ما قبل كوجه ترتب المعطوف عليه فإن كونه تعالى رب السماوات والأرض وتلك الخلائق العظيمة كما دل على وحدته تعالى وقدرته عز و جل دال على تنزهه سبحانه عن الولد ألا ترى إلى قوله جل شأنه بديع السماوات والأرض أنى يكون له ولد والمناسبة بين الرد على منكري البعث