كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 23)

والرد على مثبتي الولد ظاهرة وقد اتحد في الجملتين السائل والمسؤل والأمر وجوز بعضهم كون ضمير استفتهم للمذكورين من الرسل عليهم السلام والبواقي لقريش والمراد الإستفتاء ممن يعلم أخبارهم ممن يوثق بهم ومن كتبهم وصحفهم أي ما منهم أحد إلا وينزه الله تعالى عنه أمثال ذلك حتى يونس عليه السلام في بطن الحوت ولعمري أن الرجل قد بلغ الغاية من التكليف من غير احتياج إليه ولعله لو استغنى عن ارتكاب التجوز بالتزام كون الإستفتاء من المرسلين المذكورين حيث يجتمع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم معهم اجتماعا روحانيا كما يدعيه لنفسه الشيخ محي الدين قدس سره مع غير واحد من الأنبياء عليهم السلام ويدعي أن الأمر بالسؤال المستدعي للإجتماع أيضا في قوله تعالى واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون على هذا النمط لكان الأمر أهون وإن كان ذلك منزعا صوفيا
وأضيف الرب إلى ضميره عليه الصلاة و السلام دون ضميرهم تشريفا لنبيه صلى الله عليه و سلم إلى أنهم في قولهم بالبنات له عز و جل كالنافين لربوبيته سبحانه لهم وقوله سبحانه : أم خلقنا الملائكة إناثا إضراب وانتقال من التبكيت بالإستفتاء السابق إلى التبكيت بهذا أي بل أخلقنا الملائكة بهذا أي بل أخلقنا الملائكة الذين هم من أشرف الخلائق وأقواهم وأعظمهم تقدسا عن النقائض الطبيعية إناثا والأنوثة من أخس صفات الحيوان
وقوله تعالى : وهم شاهدون
150
- استهزاء بهم وتجهيل لهم كقوله تعالى : اشهدوا خلقهم فإن أمثال هذه الأمور لا تعلم إلا بالمشاهدة إذ لا سبيل إلى معرفتها بطريق العقل وانتفاء مما لا ريب فيه فلا بد أن يكون القائل بأنوثتهم عند خلقهم والجملة إما حال من فاعل خلقنا أي بل أخلناهم إناثا والحال أنهم حاضرون حينئذ أو عطف على خلقنا أي بل أهم شاهدون
وقوله تعالى ألا إنهم من إفكهم ليقولون
151
- استئناف من جهته تعالى غير داخل تحت الإستفتاء مسوق لإبطال أصل مذهبهم الفاسد ببيان أن مبناه ليس الإفك الصريح والإفتراء القبيح من غير أن يكون لهم دليل أو شبهة وإنهم لكاذبون
152
- فيما يتدينون به مطلقا أو في هذا القول وفيه تأكيد لقوله تعالى : من إفكهم وقريء ولد الله بالإضافة ورفع ولد على أنه خبر مبتدأ محذوف أي ليقولون الملائكة ولد الله والولد فعل بمعنى مفعول يقع على المذكر والمؤنث والواحد والجمع ولذا وقع هنا خبرا عن الملائكة المقدر اصطفى البنات على البنين
153
- بهمزة مفتوحة هي حرف استفهام حذفت بعدها همزة الوصل والإستفهام للإنكار والمراد إثبات إفكهم وتقرير كذبهم والإصطفاء أخذ صفوة الشيء لنفسه
وقرأ نافع في رواية إسماعيل وابن جماز وجماعة وإسماعيل عن أبي جعفر وشيبة اصطفى بكسر الهمزة وهي همزة الوصل وتكسر إذا ابتدى بها وخرجت على حذف أداة الإستفهام لدلالة أم بعد وإن كانت منطقة غير معادلة لها لكثرة استعمالها معها وجوز إبقاء الكلام على الإخبار إما على إضمار القول أي لكاذبون في قولهم اصطفى الخ يقولون اصطفى الخ على ما قيل : أو على الإبدال من قولهم ولد الله أو الملائكة ولد الله وليس دخيلا بين نسيبين والأولى التخريج على حذف الأداة وحسم البحث فتأمل
مالكم كيف تحكمون
154
- بهذا الحكم الذي تقضي ببطلانه بداهة العقول والإلتفات لزيادة التوبيخ

الصفحة 150