كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 23)

أفلا تذكرون
155
- بحذف أحد التاءين من تتذكرون وقرأ طلحة بن مصرف تذكرون بسكون الذال وضم الكاف من ذكر والفاء للعطف على مقدر أي تلاحظون ذلك فلا تتذكرون بطلانه فإنه مركوز في عقل كل ذكي وغبي أم لكل سلطان مبين
156
- إضراب وانتقال من توبيخهم وتبكيتهم بما ذكر بتكليفهم ما لا يدخل تحت الوجود أصلا أي بل ألكم حجة واضحة نزلت من السماء بأن الملائكة بناته تعالى ضرورة أن الحكم بذلك لا بد له سند حس أو عقلي وحيث انتفى كلاهما فلا بد من سند نقلي فأتوا بكتابكم الناطق بصحة دعواكم إن كنتم صادقين
157
- فيها والأمر للتعجيز وإضافة الكتاب إليهم للتهكم وفي الآيات من الأنباء عن السخط العظيم والإنكار الفظيع لأقاويلهم والإستبعاد الشديد لأباطيلهم وتسفيه أحلامهم وتركيك عقولهم وأفهامهم مع استهزاء بهم وتعجب من جهلهم مالا يخفى على من تأمل فيها وقوله تعالى : وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا التفات إلى الغيبة للإيذان بانقطاعهم عن الجواب وسقوطهم عن درجة الخطاب واقتضاء حالهم أن يعرض عنهم وتحكى لآخرين جناياتهم واستظهر أن المراد بالجنة الشياطين وأريد بالنسب المجعول المصاهرة
أخرج آدم بن أبي إياس وعبد بن حميد وابن جرير وغيرهم عن مجاهد قال : قال كفار قر يش الملائكة بنات الله تعالى فقال لهم أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه أي على سبيل التبكيت : فمن أمهاتهم فقالوا : بنات سروات الجن وروي هذا ابن أبي حاتم عن عطية أو أريد جعلوا بينه سبحانه وبينهم حيث أشركوهم به تعالى في استحقاق العبادة وروي هذا عن الحسن وقيل إن من الزنادقة يقولون الله عز و جل وإبليس عليه اللعنة أخوان فالله تعالى هو الخير الكريم وإبليس هو الشرير اللئيم وهو المراد بقوله سبحانه : وجعلوا الخ وحكى هذا الطبرسي عن الكلبي وقال الإمام الرازي : وهذا القول عندي أقرب الأقاويل وهو مذهب المجوس القائلين بيزدان وأهرمن ويعبرون عنهما بالنور والظلمة ويبعد هذا القول عندي أن الظاهر أن ضمير جعلوا كالضمائر السابقة لقريش ولم يشتهر ذلك عنهم بل ولا عن قبيلة من قبائل العرب وليس المقام للرد على الكفرة مطلقا
وأخرج غير واحد عن مجاهد وعبد بن حميد عن عكرمة وابن أبي شيبة عن أبي صالح أن المراد بالجنة الملائكة وحكاه في مجمع البيان عن قتادة واختاره الجبائي والمراد بالجعل المذكور ما تضمنه قولهم الملائكة بنات الله وأعيد تمهيدا لما يعقبه وهو مبني على أن الجن والملك جنس واحد مخلوقون من عنصر واحد وهو النار لكن من كان من كثيفها الدخاني فهو شيطان وهو شرذ وتمرد ومن كان من صافي نورها فهو ملك وهو خير كله ووجه التسمية بالجن الإستتار عن عيوننا فالجن والجنة بمعنى مفعول من جنه إذا ستره ويكون على هذا تخصيص الجن بأحد نوعيه تخصيصا طارئا كتخصيص الدابة وعلى الأصل جاء ما هنا ونقل عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن نوعا من الملائكة عليهم السلام يسمي الجن ومنهم إبليس وعبر عن الملائكة بالجنة حطا لهم مع عظم شأنهم في أنفسهم أن يبلغوا منزلة المناسبة التي أضافوها إليهم في قولهم ذلك وقد يقال : إن الإستتار كالداعي لهم إلى ذلك الزعم الباطل على توهمهم بأنه إنما يليق بالإناث فقالوا : لو لم يكونوا بناته سبحانه وتعالى لما سترهم عن العيون فلذا عبر عنهم بالجنة ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون
158
- أي والله لقد علمت الشياطين أي جنسهم أن الله تعالى يحضرهم ولا بد النار ويعذبهم بها ولو كانوا مناسبين له تعالى أو

الصفحة 151