كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 23)
بساحتهم وهي العرصة الواسعة عند الدور والمكان الواسع مطلقا وتجمع على سوح قال الشاعر : فكان سيان أن لا يسرحوا نعما أو يسرحوه بها وأغبرت السوح وفي الضمير استعارة مكنية شبه العذاب بجيش يهجم على قوم وهم في ديارهم بغتة فيحل بها والنزول تخييل
وقرأ ابن مسعود نزل بالتخفيف والبناء للمجهول وهو لازم فالجار والمجرور نائب الفاعل وقريء نزل بالتشديد والبناء للمجهول أيضا وهو متعد فنائب الفاعل ضمير العذاب فساء صباح المنذرين
177
- أي فبئس صباح المنذرين صباحهم على أن ساء بمعنى يئس وبها قرأ عبد الله والمخصوص بالذم محذوف واللازم في المنذرين للجنس لا للعهد لاشتراطهم الشيوع فيما بعد فعلى الذم والمدح ليكون التفسير بعد الإبهام والتفصيل بعد الإجمال ولو كان ساء بمعنى قبح أصله جاز اعتبار العهد من غير تقدير والصباح مستعار لوقت نزول العذاب أي وقت كان من صباح الجيش المبيت للعدو وهو السائر إليه ليلا ليهجم عليه وهو في غفلته صباحا وكثيرا ما يسمون الغارة صباحا لما أنها في الأعم تقع فيه وهو مجاز مرسل أطلق الزمام وأريد ما وقع فيه كما يقال أيان العرب لوقائعهم
وجوز حمل الصباح هنا على ذلك وفي الكشاف مثل العذاب النازل بهم بعد ما أنذروه فانكروه بجيش أنذر بهجومه قوما بعض نصاحهه فلم يلتفتوا إلى إنذاره ولا أخذوا أهبتهم ولا دبروا أمرهم تدبيرا ينجيهم حتى ناخ بفنائهم بغتة فشن عليهم الغارة قطع دابرهم وكانت عادة مغاويرهم إصباحا فسميت الغارة صباحا وإن وقعت في وقت آخر وما فصحت هذه الآية ولا كانت لها الروعة التي يحس بها ويروقك موردها على نفسك وطبعك إلا لمجيئها على طريقة التمثيل انتهى وظاهره أن الكلام على الإستعارة التمثيلية وفضلها على غيرها أشهر من أن يذكر وأجل من أن ينكر وقيل : ضمير نزل للنبي صلى الله عليه و سلم ويراد حينئذ نزوله على الفتح لا يوم بدر لأنه ليس بساحتهم إلا على تأويل ولا بخيبر لقوله صلى الله عليه و سلم حين صبحها الله أكبر خربت خيبر أنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين لأن تلاوته عليه الصلاة و السلام ثمت لاستشهاده بها والكلام هنا مع المشركين ولا يخفى بعد رجوع الضمير إليه عليه الصلاة و السلام
وتول عنهم حتى حين
178
- وأبصر فسوف يبصرون
179
- تسلية لرسول الله صلى الله عليه و سلم أثر تسلية وتأكيد لوقوع الميعاد غب تأكيد مع ما في إطلاق الفعلين على المفعول من الإيذان ظاهر بأن ما يبصره عليه الصلاة و السلام حينئذ من فنون المسار وما يبصرونه من فنون المضار لا يحيط به الوصف والبيان وجوز أن يراد بما تقدم عذاب الدنيا وبهذا عذاب الآخرة سبحان ربك رب العزة عما يصفون
180
- تنزيه لله تعالى شأنه عن كل ما يصفه المشركون به مما لا يليق بجناب كبريائه وجبروته مما حكى عنهم في السورة الكريمة وما لم يحك من الأمور التي من جملتها إنجاز الموعود على موجب كلمته تعالى السابقة لا سيما حق الرسول صلى الله عليه و سلم كما ينبيء عنه التعرض لعنوان الربوبية المعربة عن التربية والتكميل والمالكية الكلية مع الإضافة إلى ضميره عليه الصلاة و السلام أولا وإلى العزة ثانيا كأنه قيل : سبحان من هو مريبك ومكملك ومالك العزة والغلبة على الإطلاق عما يصفه المشركون به من الأشياء التي منها ترك نصرتك عليهم كما يدل عليه استعجالهم