كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 23)

بالقرب والبعد منها مع خسوفه بحيلولة الأرض بينه وبينها وبهذا يتم الإستدلال والحق أنه لا قطع بذلك وليس هناك إلا غلبة الظن ويجوز أن يكون قدر متعديا لاثنين و منازل بتقدير ذا منازل وأن يكون متعديا لواحد وهو منازل والأصل قدرنا له منازل على الحذف والإيصال واختاره أبو السعود ونصب القمر بفعل يفسره المذكور أي وقدرنا القمر قدرناه وفي ذلك من الإعتناء بأمر التقدير ما فيه وكأنه لما أن شهرهم باعتباره ويعلم منه سر تغيير الأسلوب
وقرأ الحرميان وأبو عمرو وأبو جعفر وابن محيصن والحسن بخلاف عنه والقمر بالرفع قال غير واحد على الإبتداء وجملة قدرناه خبره ويجوز فيما أرى أن يجري في التركيب ما جرى في قوله تعالى : والشمس تجري من الإعراب تدبر والمنازل جمع منزل والمراد به المسافة التي يقطعها القمر في يوم وليلة وهي عند أهل الهند سبعة وعشرون لأن القمر يقطع فلك البوج في سبعة وعشرين يوم وثلث فحذفوا الثلث لأنه ناقص عن النصف كما هو مصطلح أهل التنجيم وعند العرب وساكني البدو وثمانية وعشرون لا لأنهم تمموا الثلث واحدا كما قال بعضهم بل لأنه لما كانت سنوهم باعتبار الأهلة مختلفة الأوائل لوقوعها في وسط الصيف تارة وفي وسط الشتاء أخرى وكذا أوقات تجارتهم وزمان أعيادهم احتاجوا إلى ضبط سنة الشمس لمعرفة فصول البسنة حتى يشتغلوا في استقبال كل فصل بما يهمهم في ذلك الفصل من الإنتقال إلى المراعي وغيرها فاحتالوا في ضبطها فنظروا أولا إلى القمر فوجدوه يعود إلى وضع له من الشمس في قريب من ثلاثين يوما ويختفي آخر الشهر لليلتين أو أقل أو أكثر فأسقطوا يومين من زمان الشهر فبقي ثمانية وعشرون وهو زمان ما بين أول ظهوره بالعشيات مستهلا أول الشهر وآخر رؤيته بالغدوات مستترا آخره فقسموا دور الفلك عليه فكان كل قسم اثنتي عشرة درجة وإحدى وخمسين دقيقة تقريبا وهو أسباع درجة فنصيب كل برج منه منزلان وثلث ثم انضبط الدور بهذه القسمة احتالوا في ضبط سنة الشمس بكيفية قطعها لهذه المنازل فوجدوها تستر دائما ثلاثة منازل ما هي فيه بشعاعها وما قبلها بضياء الفجر وما بعدها بضياء الشمس ورصدوا ظهور المستتر بضياء الفجر ثم بشعاعها ثم بضياء الشفق فوجدوا الزمان بين كل ظهوري منزلتين ثلاثة عشر يوما تقريبا فأيام جميع المنازل تكون ثلثمائة وأربعة وستين لكن الشمس تقطع جميعها في ثلثمائة وخمس وستين فزادوا يوما في أيام منزل غفر وزادوه ههنا اصطلاحا منهم أو لشرفه على ما تسمعه إن شاء الله تعالى وقد يحتاج إلى زيادة يومين ليكون انقضاء الثمانية والعشرين مع انقضاء السنة ويرجع الأمر إلى النجم الأول واعلم أن العرب جعلت علامات الأقسام الثمانية والعشرين من الكواكب الظاهرة القريبة من المنطقة مما يقارب طريقة القمر في ممره أو يحاذيه فيرى القمر كل ليلة نازلا بقرب أحدها وأحوال كواكب المنازل مع المنازل كأحوال كواكب البروج مع البروج عند أهل الهيئة من أنها مسامتة للمنازل وهي في فلك الأفلاك وإذا أسرع القمر في سيره فقد يخلى منزلا في الوسط وإن أبطأ فقد يبقى ليلتين في منزل أول الليلتين في أوله ووآخرهما في أخره وقد يرى في بعض الليالي بين منزلتين وما يقال في الشهور إن الظاهر من المنازل في كل ليلة يكون أربعة عشر وكذا الخفي وأنه إذا طلع منزل غاب رقيبه وهو الخامس عشر من الطالع سمي به تشبيها برقيب يرصده ليسقط في المغرب إذا ظهر ذلك في المشرق ظاهر الفساد لأنها ليست على نفس المنطقة ولا أبعاد ما بينها متساوية ولهذا

الصفحة 16