كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 23)

من استكبارهم وشقاقهم أي عجبوا من أن جاءهم رسول من جنسهم أي بشرا أو من عهدهم وهم معروفون بالأمية فيكون المعنى رسول أمي والمراد أنهم عدوا ذلك أمرا عجيبا خارجا عن احتمال الوقوع وأنكروه أشد الإنكار لا أنهم اعتقدوا وقوعه وتعجبوا منه وقال الكافرون وضع فيه الظاهر موضع الضمير غضبا عليهم وذما لهم وإيذانا بأنه لا يتجاسر على مثل ما يقولون إلا المتوغلون في الكفر والفسوق هذا ساحر فيما يظهره مما لا نستطيع له مثلا كذاب
4
- فيما يسنده إلى ألله عز و جل من الإرسال والإنزال
أجعل الآلهة إلها واحدا بأن نفي الألوهية عنها وقصرها على واحد فالجعل بمعنى التصيير وليس تصييرا في الخارج والتسمية كما في قوله تعالى وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا وليس ذلك باب إنكار وحدة الوجود في شيء ليقال إن الله سبحانه نعى على الكفرة ذلك الإنكار فتثبت الوحدة فإنه عليه الصلاة و السلام ما قال باتحاد آلهتهم معه عز و جل في الوجود إن هذا لشيء عجاب
5
- أي بليغ في العجب فإن فعالا بناء مبالغة كرجل طوال وسراع ووجه تعجيبهم أنه خلاف ما ألفوه عليه آباءهم الذين أجمعوا على تعدد الآلهة وواظبوا على عبادتها وقد كان مدارهم في كل ما يأتون ويذرون التقليد فيعدون خلاف ما اعتادوه عجيبا بل محالا وقيل مدار تعجبهم زعمهم عدم وفاء علم الواحد وقدره بالأشياء الكثيرة وهو لا يتم إلا إن ادعوا لآلهتهم علما وقدرة والظاهر أنهم لم يدعوهما لها ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله
وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه والسلمي وعيسى وابن مقسم عجاب بشد الجيم وهو أبلغ من المخفف وقال مقاتل عجاب لغة أزد شنوءة أخرج أحمد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والترمذي وصححه والنسائي وابن جرير وغيرهم عن ابن عباس قال لما مرض أبو طالب دخل عليه رهط من قريش فيهم أبو جهل فقالوا : إن ابن أخيك يشتم آلهتنا ويفعل ويقول ويقول فلو بعثت إليه فنهيته فبعث إليه فجاء النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فدخل البيت وبينهم وبين أبي طالب قدر مجلس فخشي أبو جهل إن جلس إلى أبي طالب أن يكون أرق عليه فرثب فجلس في ذلك المجلس فلم يجد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم مجلسا قرب عمه فجلس عند الباب فقال له أبو طالب : أي ابن أخي ما بال قومك يشكونك يزعمون أنك تشتم آلهتهم وتقول وتقول قال وأكثروا عليه من القول وتكلم رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : يا عم إني أريدهم على كلمة واحدة يقولونها يدين لهم بها العرب وتؤدي إليهم بها العجم الجزية ففرحوا لكلمته ولقوله فقال القوم : ما هي وأبيك لتعطينكها وعشرا قال : لا إله إلا الله فقاموا فزعين ينفضون ثيابهم وهم يقولون : أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب وفي رواية أنهم قالوا : سلنا غير هذا فقال عليه الصلاة و السلام لو جئتموني بالشمس حتى تضعوها في يدي ما سألتكم غيرها فغضبوا وقاموا غضابا وقالوا والله لنشتمنك وإلهك الذي يامرك بهذا
وانطلق الملأ منهم أي وانطلق الأشراف من قريش من مجلس أبي طالي بعد ما بكتهم رسول الله صلى الله عليه و سلم وشاهدوا تصلبه في الدين ويئسوا مما كانوا يرجونه منه عليه الصلاة و السلام بواسطة عمه وكان منهم أبو جهل والعاص بن وائل والأسود بن المطلب بن عبد يغوث وعقبة بن أبي معيط

الصفحة 166