كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 23)

أيضا إشارة إلى أن النبوة موهبة ربانية وقوله تعالى أم لهم ملك السماوات والأرض وما بينهما ترشيح لما سبق أي بل ألهم ملك هذه الأجرام العلوية والأجسام السفلية حتى يتكلموا في الأمور الربانية ويتحكموا في التدابير الإلهية التي يستأثر بها رب العزة والكبرياء وقوله تعالى : فليرتقوا في الأسباب
10
- جواب شرط محذوف أي إن كان لهم ما ذكر من الملك فليصعدوا في المعارج والمناهج الذي يتوصل بها إلى السماوات فليدبروها وليتصرفوا فيها فإنهم لا طريق لهم إلى تدبيرها والتصرف فيها إلا ذاك أو إن ادعوا ما ذكر من الملك فليصعدوا وليتصرفوا حتى يظن صدق دعواهم فإنه لا أمارة عندهم على صدقها فلا أقل من أن يجعلوا ذلك أمارة وقال الزمخشري ومتابعوه : أي فليصعدوا في المعارج والطرق التي يتوصل بها إلى العرش حتى يستووا عليه ويدبروا أمر العالم وملكوت الله تعالى وينزلوا الوحي إلى من يتخارون ويستصوبون وهو مناسب للمقام بيد أن فيه دغدغة وأيا ما كان ففي أمرهم بذلك تهكم بهم لا يخفى والسبب في الأصل الوصلة من الحبل ونحوه
وعن مجاهد الأسباب هنا أبواب السماوات وقيل السماوات أنفسها لأن الله تعالى جعلها أسبابا عادية للحوادث السفلية جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب
11
- أي هم جند الخ فجند خبر مبتدأ محذوف مقدر مقدما كما هو الظاهر وما مزيدة قيل للتقليل والتحقير نحو أكلت شيئا ما وقيل للتعظيم والتكثير واعترض بأنه لا يلائمه مهزوم وأجيب بأن الوصف بالعظمة والكثرة على سبيل الإستهزاء فهي بحسب اللفظ عظمة وكثرة وفي نفس الأمر ذلة وقلة ورجح بأن الأكثر في كلامهم كونها للتعظيم نحو لأمر ما جدع قصير أنفه لأمر ما يسود من يسود
وقول امريء القيس : وحديث الركب يوم هنا وحديث ما على قصره مع أن الكلام لتسليته صلى الله عليه و سلم وتبشيره بانزامهم وذلك أكمل على هذا التقدير بل قيل إن التبشير بخذلان عدد حقير ربما أشعر بإهانة وتحقير
ألم تر أن السيف ينقص قدره إذا قيل إن السيف أمضى من العصا وفيه نظر و هنالك صفة جند أو ظرف مهزوم وهو إشارة إلى المكان البعيد وأريد به على قول المكان الذي تفاوضوا فيه مع الرسول صلى الله عليه و سلم بتلك الكلمات السابقة وهو مكة وجعل ذلك إخبارا بالغيب عن هزيمتهم يوم الفتح وقيل يوم بدر وروي ذلك عن مجاهد وقتادة وأنت خبير بأن هنالك إذا كان إشارة إلى مكة ومتعلقا بمهزوم لا يتسنى هذا إلا إذا أريد من مكة ما يشمل بدرا و مهزوم خبر بعد خبر وأصل الهزم غمز الشيء اليابس حتى ينحطم كهزم الشن وهزم القثاء والبطيخ ومنه الهزيمة لأنه كما يعبر عنه بالحطم والكسر والتعبير عما لم يقع باسم المفعول المؤذن بالوقوع على ما في بعض شروح الكشاف للإيذان بشدة قربه حتى كأنه محقق و من الأحزاب صفة جند أي هم جند قليلون أذلاء أو كثيرون عظماء كائنون هنالك من الكفار المتحزبين على الرسل مكسورون عن قريب أو جند من الأحزاب مكسورون عن قريب في مكانهم الذي تكلموا فيه بما تكلموا فلا تبال بما يقولون ولا تكترث بما يهذون وقال أبو البقاء جند مبتدأ وما زائدة وهنالك نعت وكذا من الأحزاب ومهزوم خبر وتعقبه أبو حيان بأن فيه بعد التفاتة عن

الصفحة 169