كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 23)
وإليه يرجع تفسير ابن زيد والسدي وأبي عبيدة والفراء له بالإفاقة والإستراحة والمضمون اسم ساعة رجوع اللبن للضرع
وقوله تعالى : وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب
16
- حكاية لما قالوه عند سماعهم بتأخير عقابهم إلى الآخرة أي قالوا بطريق الإستهزاء والسخرية ربنا عجل لنا قسطنا ونصيبنا من العذاب الذي توعدنا به ولا تؤخره إلى يوم الحساب الذي مبدؤه الصيحة المذكورة وتصدير دعائهم بالنداء المذكور للإمعان في الإستهزاء كأنهم يدعون ذلك بكمال الرغبة والإبتهال والقائل على ما روي عن عطاء النضر بن الحرث بن علقمة بن كلدة وهو الذي قال الله تعالى فيه سأل سائل بعذاب واقع وأبو جهل على ما روي عن قتادة وعلى القولين الباقون راضون فلذا جيء بضمير الجمع والقط القطعة من الشيء من قطعه إذا قطعه ويقال لصحيفة الجائزة قط لأنها قطعة من القرطاس ومن ذلك قول الأعشى : ولا الملك النعمان يوم لقيته بنعمته يعطي القطوط ويطلق قيل وهو في ذلك أكثر استعمالا وقد فسره بها هنا أبو العالية والكلبي أي عجل لنا صحيفة أعمالنا لننظر فيها وهي رواية عن الحسن وجاء في رواية أخرى عنه أنهم أرادوا نصيبهم من الجنة وروي هذا أيضا عن قتادة وابن جبير وذلك أنهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه و سلم يذكر وعد الله تعالى المؤمنين الجنة فقالوا على سبيل الهزء : عجل لنا نصيبنا منها لنتبعهم في الدنيا قال السمرقندي : أقوى التفاسير أنهم سألوا أن يجعل لهم النعيم الذي كان يعده عليه الصلاة و السلام من ةمن لقولهم ربنا ولو كان على ما يحمله أهل التأويل من سؤال العذاب أو الكتاب استهزاء لسألوا رسول الله صلى الله عليه و سلم ولم يسألوا ربهم وفيه بحث يعلم مما مر آنفا
إصبر على ما يقولون على ما يتجدد من أمثال هذه المقالات الباطلة المؤذية واذكر عبدنا داود أي اذكر لهم قصته عليه السلام تعظيما للمعصية في أعينهم وتنبيها لهم على كمال قبح ما اجترؤا عليه فإنه عليه السلام مع علو شأنه وإيتائه النبوة والملك لما ألم بما هو خلاف الأولى ناله ما ألمه وأدام غمه وندمه فما الظم بهؤلاء الكفرة الأذلين الذين لم يزالوا على أكبر الكبائر مصرين أو اذكر قصته عليه السلام في نفسك وتحفظ من ارتكاب ما يوجب العتاب وقيل إنه تعالى أمره عليه الصلاة و السلام أن يذكر قصص الأنبياء عليهم السلام الذين عرض لهم ما عرض فصبروا حتى فرج الله تعالى عنهم وأحسن عاقبتهم ترغيبا له في الصبر وتسهيلا لأمره عليه وإيذانا ببلوغ ما يريده بذلك وهو كما ترى وقيل أمره بالصبر وذكر قصص الأنبياء ليكون ذلك برهانا على صحة نبوته صلى الله عليه و سلم والذكر على هذا والأول لساني وعلى ما بينهما قلبي وهو مراد من فسر اذكر على ذلك بتذكر ذا الأيد أي ذا القوة يقال فلان أيد وذو أيد وذو آد وأياد بمعنى وأياد كل شيء ما يتقوى به
إنه أواب
17
- أي رجاع إلى الله تعالى وطاعته عز و جل وأخرج ابن جرير عن ابن عباس ومجاهد أنهما قالا : الأبواب المسبح وعن عمرو بن شرحبيل أنه المسبح بلغة الحبشة وأخرج الديلمي عن مجاهد قال : سألت ابتن عمر عن الأواب فقال : سألت النبي صلى الله عليه و سلم عنه فقال : هو الرجل يذكر ذنوبه في الخلاء فيستغفر الله تعالى وهذا إن صح لا يعدل عنه والجملة تعليل لكونه عليه السلام ذا الأيد وتدل بأي معنى كان الأبواب فيها على أن المراد