كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 23)
غير تسبيح داود عليه السلام لأن الأول مجاز فحمل تسبيح داود على المجاز أيضا لأن المجاز بالمجاز أنسب أه
وتعقب بأنه إذا علم من الرواية فكيف يقال أنه أخذه من الآية والتجوز ينبغي تقليله ما أمكن وهذا بناء على أن معه متعلق بيسبحن حتى يكون هو عليه السلام مسبحا أي مصليا وإلا فتسبيح الجبال لا دلالة على الصلاة ومع هذا ففيه حينئذ جمع بين معنيين مجازيين إلا أن يقال به أو يجعل بمعنى يعظمن ويجعل تعظيم كل محمولا على ما يناسبه وبعد اللتيا والتي لا يخلو عن كدر وارتضى الخفاجي الأول وأراه لا يخلو عن كدر أيضا
وقال الجلبي : في ذلك يجوز أن يقال : تخصيص هذين الوقتين بالذكر دل على اختصاصهما بمزيد شرف فيصلح ذلك الشرف سببا لتعيينهما للصلاة والعبادة فإن لفضيلة الأزمنة والأمكنة أثرا في فضيلة ما يقع فيهما من العبادات وهذا عندي أصفى مما تقدم ويشعر به ما أخرجه الطبراني في الأوسط وابن مردويه عن ابن عباس قال : كنت أمر بهذه الآية يسبحن بالعشي والإشراق فما أدري ما هي حتى حدثتني أم هانيء أن رسول الله صلى الله عليه و سلم صلى يوم فتح مكة صلاة الضحى فمان ركعات فقال ابن عباس : قد ظننت أن لهذه الساعة صلاة لقوله تعالى : يسبحن بالعشي والإشراق هذا ولهم في صلاة الضحى كلام طويل والحق سنيتها وقد ورد فيها كما قال الشيخ ولي الدين ابن العراقي : أحاديث كثيرة صحيحة مشضهورة حتى قال محمد بن جرير الطبري أنها بلغت مبلغ التواتر
ومن ذلك حديث أم هانيء الذي في الصحيحين وزعم أن تلك الصلاة كانت صلاة شكر لذلك الفتح العظيم صادفت ذلك الوقت لا أنها عبادة مخصوصة فيه دون سبب أو أنها كانت قضاء عما شغل صلى الله تعالى عليه وسلم تلك الليلة من حزبه فيها خلاف ظاهر الخبر السابق عنها
وكذا ما رواه أبو داود من طريق كريب عنها أنها قالت صلى عليه الصلاة و السلام سبحة الضحى ومسلم في كتاب الطهارة من طريق أبي مرة عنها أيضا ففيه ثم صلى ثمان ركعات سبحة الضحى وابن عبد البر في التمهيد من طريق عكرمة بن خالد أنها قالت : قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم مكة فصلى ثمان ركعات فقلت ما هذه الصلاة قال : هذه صلاة الضحى واحتج القائلون بالنفي بحديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم وما سبح رسول الله صلى الله عليه و سلم سبحة الضحى قط وإني لأسبحها رواه البخاري ومسلم وأبو داود وأبو مالك وحمله القائلون بالإثبات على نفي رؤيتها ذلك لما أنه روي عنها مسلم وأحمد وابن ماجه أنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي الضحى أربعا ويزيد ما شاء الله تعالى وقد شهد أيضا بأنه عليه الصلاة و السلام كان يصليها على ما قال الحاكم أبو ذر الغفاري وأبو سعيد وزيد بن أرقم وأبو هريرة وبريدة الأسلمي وأبو الدرداء وعبد الله بن أبي أوفى وعتبان بن مالك وعتبة بن عبد السلمي ونعيم بن همام الغطفاني وأبو أمامة الباهلي وأم هانيء وأم سلمة ومن القواعد المعروفة أن المثبت مقدم على النافي مع أن رواية الإثبات أمكثر بكثير من رواية النفي وتأويلها أهون من تأويل تلك وذكر الشافعية أنها أفضل التطوع بعد الرواتب لكن النووي في شرح المهذب قدم عليها صلاة التراويح فجعلها في الفضل بين الرواتب والضحى والمذهب عنهم وجوبها عليه صلى الله عليه و سلم وأن ذلك من خصوصياتها عليه الصلاة و السلام واحتج بما أخرجه ابن العربي بسنده عن عكرمة عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كتب على النحر ولم يكتب عليكم وأمرت بصلاة الضحى ولم تؤمروا