كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 23)
عربي وداود لم يكن من العرب ولا نبيهم بل ولا بينهم فالظاهر أنه لم يتكلم بالعربية والذي يترجح عندي أن المراد بفصل الخطاب فصل الخصام وهو يتوقف على مزيد علم وفهم وتفهيم وغير ذلك فإيتاؤه يتضمن إيتاء جميع ما يتوقف هو عليه وفيه من الإمتنان ما فيه ويلائمه أتم ملاءمة قوله تعالى : وهل أتاك نبؤا الخصم استفهام يراد منه التعجب والتشويق إلى استماع ما في حيزه لايذانه بأنه من الأنباء البديعة التي حقها أن تشيع فيما بين كل حاضر وبادي والجملة قيل عطف على إنا سخرنا من قبيل عطف القصة على القصة وقيل : على اذكر
والخصم في الأصل مصدر لخصمه بمعنى خاصمه أو غلبه ويراد منه المخاصم ويستعمل للمفرد والمذكر وفروعهما وجاء للجمع هنا على ما قال جمع لظاهر ضمائره بعد وربما ثنى وجمع على خصوم وإخصام وأصل المخاصمة على ما قال الراغب أن يتعلق كل واحد بخصم الآخر أي بجانبه أو أن يجذب كل واحد خصم الجوالق من جانب
إذ تسور المحراب
21
- أي علوا سوره ونزلوا إليه فتفعل للعلو على أصله نحو تسنم الجمل أي علا سنامه وتذري الجبل علا ذروته والسور الجدار المحيط المرتفع والمحراب الغرفة وهي العلية ومحراب المسجد مأخوذ منه لانفصاله عما عداه أو لشرفه المنزل منزلة علوه قاله الخفاجي وقال الراغب : محراب المسجد قيل : سمي بذلك لأنه موضع محاربة الشيطان والهوى وقيل : لكون حق الإنسان فيه أن يكون حربيا من إشغال الدنيا ومن توزيع الخاطر وقيل الأصل فيه أن محراب البيت صدر المجلس ثم اتخذت المساجد سمي صدره به وقيل : بل المراب أصله في المسجد وهو اسم خص به صدر المجلس فسمي صدر البيت محرابا تشبيها بمحراب المسجد وكان هذا أصح انتهى وصرح الجلال السيوطي أن المحاريب التي في المساجد بهيئتها المعروفة اليوم لم تكن في عهد النبي صلى الله عليه و سلم وله رسالة في تحقيق ذلك وإذ متعلقة بمحذوف مضاف إلى الخصم أي نبأ تحاكم الخصم إذ تسوروا أو بنبأ على أن المراد به الواقع في عهد داود عليه السلام وإسناد الإتيان إليه على حذف مضاف أي قصة نبأ الخصم وجوز تعلقها به بلا حذف على جعل إسناد الإتيان إليه مجازيا أو بالخصم وهو في الأصل مصدر والظرف قنوع بكفيه رائحة الفعل وزعم الحوفي تعلقها بأتى ولا يكاد يصح لأن إتيان نبأ الخصم لم يكن وقت تسورهم المحراب إذ دخلوا على داود إذ هذه بدل من إذ الأولى بدل كل من كل بأن يجعل زمان التسور وزمان الدخول لقربهما بمنزلة المتحدين أو بدل اشتمال بأن يعتبر الإمتداد أو ظرف لتسوروا ويعتبر امتداد وقته وإلا فالتسور ليس في وقت الدخول ويجوز أن يراد بالدخول إرادته وفيه تكلف لأنه مع كونه مجازا لا يتفرع عليه قوله تعالى : ففزع منهم فيحتاج إلى تفريعه على التسور وهو أيضا كما ترى وجوز تعلقه باذكر مقدرا والفزع انقباض ونفار يعتري الإنسان من الشيء المخيف روي أن الله تعالى بعث إليه ملكين في صورة إنسانين قيل هما جبريل وميكائيل عليهما السلام فطلبا أن يدخلا عليه فوجداه في يوم عبادته فمنعهما الحرس فتسورا عليه المحراب فلم يشعر إلا وهما بين يديه جالسان وكان عليه السلام كما روي عن ابن عباس جزأ زمانه أربعة أجزاء يوما للعبادة ويوما للقضاء ويوما للإشتغال بخاصة نفسه ويوما لجميع بني إسرائيل فيعظهم ويبكيهم وسبب الفزع قيل أنهم نزلوا من فوق الحائط وفي يوم الإحتجاب والحرس حوله لا يتركون من يريد الدخول عليه فخاف عليه السلام أن يؤذوه لا سيما على ما حكى أنه كان ليلا وقيل : إن الفزع من أجل أنه ظن أن أهل مملكته قد استهانوه