كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 23)
كان أفصح مني وإن حارب كان أبطش مني وقال ابن عطية : كان أوجه مني وأقوى فإذا خاطبته كان كلامه أقوى من كلامي وقوته أعظم من قوتي وقيل : أي غلبني في مغالبته إياي في الخطبة على أن الخطاب من خطبت المرأة وخطبها هو فخاطبني خطابا أي غالبني في الخطبة فغلبني حيث زوجها دوني وهو قول من يجعل النعجة مستعارة وتعقبه صاحب الكشف فقال : حمل الخطاب على المغالبة في خطبة النساء لا يلائهم فصحاحة التنزيل لأن التمثيل قاصر عنه لنبو قوله : ولى نعجة عن ذلك أشد والنبوة وكذا قوله : أكفلنيها إذ ينبغي على ذلك أن يخاطب به ولي المخطوبة إلا أن يجعل الأول مجازا عما يؤول إليه الحال ظنا والشروط في حسنه تحقق الإنتهاء كما في أعصر خمرا والثاني مجاز عن تركه الخطبة ولا يخفى ما فيهما من التعقيد ثم إنه لتصريحه ينافي الغرض من التمثيل وهو التنبيه على عظم ما كان منه عليه السلام وأنه أمر يستحي من كشفه مع الستر عليه والإحتفظ بحرمته انتهى فتأمل
وقرأ أبو حيوة وطلحة وعزني بتخفيف الزاي قال أبو الفتح : حذفت إحدى الزائين تخفيفا كما حذفت إحدى السينين في قول أبي زبيد :
أحسن به فهن إليه شوس
وروي كذلك عن عاصم
وقرأ عبد الله وأبو وائل ومسروق والضحاك والحسن وعبيد بن عمير وعازني بألف بعد العين وتشديد الزاي وغالني
قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه جواب قسم محذوف قصد به المبالغة في إنكار فعل ذي النعجات الكثيرة وتهجين طعمه وليس هذا ابتداء من داود عليه السلام إثر فراغ المدعى من كلامه ولا فتيا بظاهر كلامه قبل ظهور الحال لديه فقيل : ذلك على تقدير لقد ظلمك إن كان ما تقول حقا وقيل ثم كلام محذوف أي فاقر المدعى عليه فقال لقد ظلمك الخ ولم يحك في القرآن اعتراف المدعى عليه لأنه معلوم من الشرائع كلها أنه لا يحكم الحاكم إلا بعد إجابة المدعى عليه وجاء في رواية أنه عليه السلام لما سمع كلام الشاكي قال للآخر ما تقول فأقر فقال له : لترجعن إلى الحق أو لأكسرن الذي فيه عيناك وقال للثاني : لقد ظلمك الخ فتبسما عند ذلك وذهبا ولم يرهما لحينه وقيل : ذهبا نحو السماء بمرأى منه وقال الحليمي : إنه عليه السلام رأى في المدعى مخايل الضعف والهضيمة فحمل أمره على أنه مظلوم كما يقول فدعاه ذلك إلى أن لا يسأل المدعى عليه فاستعجل بقوله : لقد ظلمك ولا يخفى أنه قول ضعيف لا يعول عليه لأن مخايل الصدق كثيرا ما تظهر على الكاذب والحيلة أكثر من أن تحصى قديما وحديثا وفيما وقع من إخوة يوسف عليه السلام ولم يكونوا الأنبياء على الأصح ما يزيل الإعتماد في هذا الباب وبعض الجهلة ذهب إلى نحو هذا وزعم أن ذنب داود عليه السلام ما كان إلا أنه صدق أحدهما على الآخر وظلمه قبل مسألته والسؤال مصدر مضاف إلى مفعوله وتعديته إلى مفعول آخر بإلى لتضمنه معنى الإضافة كأنه قيل : لقد ظلمك بإضافة نعجتك إلى نعاجه على وجه السؤال والطلب أو لقد ظلمك بسؤال نعجتك مضافة إلى نعاجه وإن كثيرا من الخلطاء أي الشركاء الذين خلطوا أموالهم الواحد خليط وهي الخلطة وقد غلبت في الماشية وفي حكمها عند الفقهاء كلام ذكر بعضا منه الزمخشري ليبغي ليتعدى بعضهم على بعض غير مراع حق الشركة والصحبة