كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 23)
إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم فإنهم يتحامون عن البغي والعدوان وقليل ما هم أي وهم قليل جدا فقيل خبر مقدم و هم مبتدأ وما زائدة وقد جاءت المبالغة في القلة من التنكير وزيادة ما الإبهامية ويتضمن ذلك التعجب فإن الشيء إذا بولغ فيه كان مظنة للتعجب منه فكأنه قيل : ما أقلهم والجملة اعتراض تذييلي وقريء ليبغي بفتح الياء على تقدير حذف النون الخفيفة وأصله ليبغين كما قال طرفة بن العبد : اضرب عنك الهموم طارقها ضربك بالسيف قونس الفرس يريد اضربن ويكون على تقدير قسم محذوف وذلك القسم وجوابه خبر لأن وعلى قراءة الجمهور اللام هي الواقعة في خبر إن وجملة يبغي الخ هو الخبر وقريء ليبغ بحذف الياء للتخفيف كما في قوله تعالى : والليل إذا يسر وقوله : محمد تفد نفسك كل نفس إذا ما خفت من أمر تبالا والظاهر أن قوله تعالى : وإن كثيرا من الخلطاء الخ من كلام داود عليه السلام تتمة لما ذكره أولا وقد نظر فيه ما كان عليه التداعي كما هو ظاهر التعبير بالخلطاء فإنه غالب في الشركاء الذين خلطوا أموالهم في الماشية وجعل وجه استعارة النعجة ابتداء تمثيل لم ينظر فيه إلى ما كان عليه التداعي كأنه قيل : وإن البغي أمر يوجد فيما بين المتلابسين وخص الخلطاء لكثرته فيما بينهم فلا عجب مما شجر بينكم ويترتب عليه قصد الموعظة الحسنة والترغيب في إيثار عادة الخلطاء الذين حكم لهم بالقلة وأن يكره إليهم الظلم والإعتداء الذي عليه أكثرهم مع التأسف على حالهم وأن يسلي المظلوم عما جرى عليه من خليطه وأن له في أكثر الخلطاء أسوة أو كأنه قيل : إن هذا الأمر الذي جرى بينكما أيها الخليطان ثيرا ما يجري بين الخلطاء فينظر فيه إلى خصوص حالهما قال في الكشف : والمحمل الأظهر هذا
وعلى التقديرين هو تذييل يترتب عليه ما ذكر ثم قال : ولعل الأظهر حمل الخلطاء على المتعارفين والمتضادين إضرابهم ممن بينهم مىبسة شديدة وامتزاج على نحو
إن الخليط أجدوا البين فانجردوا
والغلبة في الشركاء الذين خلطوا أموالهم في عرف الفقهاء فذكر الخلطاء لا ينافي ذكر الحلائل إذ لم ترد الخلطة أه وأنت خبير بأن ذلك وإن لم يناف ذكر الحلائل لكن أولوية عدم إرادة الحلائل وإبقاء النعجة على معناها الحقيقي مما لا ينبغي أن ينتطح فيه كبشان وظن داود أنما فتناه الظن مستعار للعلم الإستدلالي لما بينهما من المشابهة الظاهرة وفي البحر لما كان الظن الغالب يقارب العلم استعير له فالمعنى وعلم داود وأيقن بما جرى في مجلس الحكومة أن الله تعالى ابتلاه وقيللما قضى بينهما نظر أحدهما إلى صاحبه فضحك ثم صعدا إلى السماء حيال وجهه فعلم بذلك أنه تعالى ابتلاه وجوز إبقاء الظن على حقيقته وأنكر ابن عطية مجيء الظن بعد العلم اليقيني وقال : لسنا نجدة في كلام العرب وإنما هو توقيف بين معتقدين غلب أحدهما على الآخر وتوقعه العرب على العلم الذي ليس بواسطة الحواس فإنه اليقين التام ولكن يخلط الناس في هذا ويقولون : ظن بمعنى أيقن إلى آخر ما أطال ويفهم منه أن إطلاق الظن على العلم الإستدلالي حقيقة والمشهور أنه مجاز وظاهر ما بعد أنه هنا بمعنى العلم و أنما المفتوحة على ما حقق بعض الأجلة لا تدل على الحصر كالمكسورة ومن قال بإفادتها إياه