كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 23)

صلى الله تعالى عليه وسلم سجد في وقال : سجدها داود توبة ونسجدها شكرا أي على قبول توبة داود عليه السلام من خلاف الأولى بعلي شأنه وقد لقي عليه السلام على ذلك من القلق المزعج ما لم يلقه غيره كما ستعلمه إن شاء الله تعالى وآدم عليه السلام وإن لقي أمرا عظيما لكنه كان مشوبا بالحزن على فراق الجنة فجوزي لذلك بأمر هذه الأمة بمعرفة قدره وأنه أنعم عليه نعمة تستوجب دوام الشكر إلى قيام الساعة ولقصته على ما في بعض الروايات شبه لما وقع لنبينا صلى الله عليه و سلم في قصة زينب المقتضى للعتب عليه بقوله تعالى : وتخفي في نفسك الآية فيكون ذكرها مذكرا له عليه الصلاة و السلام ما وقع وما آل الأمر إليه مما هو أرفع وأجل فكان ذلك اقتضى دوام الشكر بإظهار السجود له ولعل ذلك وجه تخصيص داود بذلك مع وقوع نظيره لغيره من الأنبياء عليهم السلام فتأمله ولا تغفل عن كون السورة مكية على الصحيح وقصة زينب رضي الله تعالى عنها مدنية وينحل الإشكال بالتزام كون السجود بعد القصة فلينقر وهي عند الحنفية إحدى سجدات التلاوة الواجبة كما ذكر في الكتب الفقهية ومن فسر خر راكعا بخر للسجود مصليا ذهب إلى أن ما وقع من داود عليه السلام صلاة مشتملة على السجود وكانت للإستغفار وقد جاء في شريعتنا مشروعية صلاة ركعتين عند التوبة لكن لم نقف في خبر على ما يشعر بحمل ما هنا على صلاة داود عليه السلام لذلك وإنما وقفنا على أنه سجد وأناب
24
- أي رجع إلى الله تعالى بالتوبة فغفرنا له ذلك أي ما استغفرنا منه
أخرج أحمد وعبد بن حميد عن يونس بن حيان أن داود عليه السلام بكى أربعين ليلة حتى نبت العشب حوله من دموعه ثم قال : يا رب قرح الجبين ورقأ الدمع وخطيئتي علي كما هي فنودي يا داود أجائع فتطعم أم ظمآن فتسقى أم مظلوم فينتصر لك فنحب نحبة هاج ما هنالك من الخضرة فغفر عند ذلك وفي رواية عبد الله ابن أحمد في زوائد الزهد عن مجاهد أنه خر ساجدا أربعين ليلة حتى نبت من دموع عينيه من البقل ما غطى رأسه ثم قال الخ وروي أنه لم يشرب ماء إلا وثلثاه من دمعه وجهد نفسه راغبا إلى الله تعالى في العفو عنه حتى كاد يهلك واشتغل بذلك عن الملك حتى وثب ابن له يقال له إيشا على ملكه ودعا إلى نفسه فاجتمع إليه أهل الزيغ من بني إسرائيل فلما غفر له حاربه فهزمه
وأخرج أحمد عن ثابت أنه عليه السلام اتخذ سبع حشايا وحشاهن من الرماد حتى أنفذها دموعا ولم يشرب شرابا إلا مزجه بدمع عينيه وأخرج عن وهب أنه اعتزل النساء حتى رعش وخددت الدموع في وجهه ولم ينقطع خوفه عليه السلام وقلقه بعد المغفرة فقد أخرج أحمد والحكيم الترمذي وابم جرير عن عطاء الخراساني أن داود نقش خطيئته في كفه لكي لا ينساها وكان غذا رآها اضطربت يداه
وأخرج أحمد وغيره عن ثابت عن صفوان وعبد بن حميد من طرق عطاء السائب عن أبي عبدلة الجدلي ما رفع رأسه إلى السماء بعد الخطيئة حتى مات وإن له عندنا لزلفى قربة بعد المغفرة
وحسن مآب
25
- وحسن مرجع في الجنة وأخرج عبد بن حميد عن عبيد بن عمير أنه قال في الآية : يدنو من ربه سبحانه حتى يضع يده عليه وهو إن صح من المتشابه وأخرج أحمد في الزهد والحكيم الترمذي وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مالك بن دينار أنه قال فيها : يقام داود عليه السلام يوم القيامة عند ساق العرش ثم يقول الرب عز و جل : يا داود مجدني اليوم بذلك الصوت الحسن الرخيم الذي كنت تمجدني به في

الصفحة 184