كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 23)

العرب لا يقولون بمعاد بالكلية ولم يخطر ببالهم التناسخ أصلا ولإثبات المعاد الجسماني طريق آخر مشهور بين المتكلمين وجعل هذا الدليل العقلي طريقا طريقا لإثباته يحتاج إلى تأمل فتأمل وقوله تعالى : أم نجعل المتقين كالفجار
28
- إضراب وانتقال عن إثبات ما ذكر بلزوم المحال الذي هو التسوية بين الفريقين المذكورين على الإطلاق إلى إثباته بلزوم ما هو أظهر منه استحالة وهي التسوية بين أتقياء المؤمنين وأشقياء الكفرة وحمل الفجار على فجرة المؤمنين مما لا يساعده المقام ويجوز أن يراد بهذين الفريقين عين الأولين ويكون التكرير باعتبار وصفين آخرين هما أدخل في إنكار التسوية من الوصفين الأولين وأيا ما كان فليس المراد من الجمعية في الموضعين أناسا بأعيانهم ولذا قال ابن عباس : الآية عامة في جميع المسلمين والكافرين
وقيل : هي في قوم مخصوصين من مشركي قريش قالوا للمؤمنين إنا نعطي في الآخرة من الخير ما لا تعطون فنزلت وأنت تعلم أن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب وفي رواية أخرى عن ابن عباس أخرجها ابن عساكر أنه قال : الذين آمنوا علي وحمزة وعبيدة بن الحرث رضي الله تعالى عنهم والمفسدين في الأرض عتبة والوليد ابن عتبة وشيبة وهم الذين تبارزوا يوم بدر ولعله أراد أنهم سبب النزول وقوله تعالى كتاب خبر مبتدأ محذوف هو عبارة عن القرآن أو السورة ويجوز على الثاني تقديره مذكر أي هو أو هذا وهو الأولى عند جمع رعاية للخبر وتقديره مؤنثا رعاية للمرجع وقوله تعالى : أنزلناه إليك صفته وقوله سبحانه مبارك أي كثير المنافع الدينية والدنيوية خبر ثان للمبتدأ أو صفة كتاب عند من يجوز تأخير الوصف الصريح عن غير الصريح وقريء مباركا بالنصب على أنه حال من مفول أنزلنا وهي حال لازمة لأن البركة لا تفارقه جعلنا الله تعالى في بركاته ونفعنا بشريف آياته وقوله عز و جل ليدبروا آياته متعلق بأنزلناه وجوز أن يكون متعلقا بمحذوف يدل عليه وأصله ليتدبروا بتاء بعد الياء آخر الحروف وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه بهذا الأصل أي أنزلناه ليتفكروا في آياته التي من جملتها هذه الآيات المعربة عن أسرار التكوين والتشريع فيعرفوا ما يدبر ويتبع ظاهرها من المعاني الفائقة والتأويلات اللائقة وضمير الرفع لأولي الألباب على التنازع وأعمال الثاني أو للمؤمنين فقط أو لهم وللمفسدين وقرأ أبو جعفر لتدبروا بتاء الخطاب وتخفيف الدال وجاء كذلك عن عاصم والكسائي بخلاف عنهما والأصل لتتدبروا بتاءين فحذفت أحدهما على الخلاف الذي فيها أهي تاء المضارعة أم تاء التي تليها والخطاب للنبي صلى الله عليه و سلم وعلماء أمته على التغليب أي لتدبر أنت وعلماء أمتك وليتذكر أولوا الألباب
29
- أي وليتعظ به ذوو العقول الزاكية الخالصة من الشوائب أو ليستحضروا ما هو كالمركوز في عقولهم لفرط تمكنهم من معرفته لما نصب عليه من الدلائل فإن إرسال الرسل وإنزال الكتب لبيان ما لا يعرف إلا من جهة الشرع كوجوب الصلوات الخمس والإرشاد إلى ما يستقل العقل بإدراكه كوجود الصانع القديم جل جلاله وعم نواله ووهبنا لداود سليمان نعم العبد وقريء نعم على الأصل والمخصوص بالمدح محذوف أي نعم العبد هو أي سليمان كما ينبيء عنه تأخيره عن داود مع كونه مفعولا صريحا لوهبنا ولأن قوله تعالى إنه أواب
30
- أي راجع إلى الله تعالى بالتوبة كما يشعر به الساق أو إلى التسبيح مرجع له إلى مرضاته عز و جل تعليل للمدح وهو من حاله لما أن الضمير المجرور في قوله سبحانه إذ عرض عليه يعود

الصفحة 189