كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 23)
ألف ورثها من أبيه داود وكان عليه السلام قد أصابها من العمالقة وهم بنو عمليق بن عوص بن عاد بن إرم
واستشكلت هذه زيادة على الأولى بان الأنبياء عليهم السلام لا يورثون كما جاء في الحديث الذي رواه أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه محتجا به في مسئلة فدك والعوالي بمحضر الصحابة وهم الذين لا تأخذهم في الله لومة لائم
وأجيب بأن المراد بالإرث حيازة التصرف لا الملك وعقرها تقربا على ما في الأوجه في الآية بعد وجاء في بعض الروايات لا يقتضي الملك وقال عوف : بلغني أنها كانت خيلا ذات أجنحة أخرجت له من البحر لم تكن لأحد قبله ولا بعده وروي كونها كذلك عن الحسن وأخرج ابن جرير وغيره عن إبراهيم التيمي أنها كانت عشرين ألف فرس ذات أجنحة وليس في هذا شيء سوى الإستبعاد وإذا لم يلتفت إلى الأخبار في ذلك إذ ليس فيها خبر صحيح مرفوع أو ما في حكمه يعول عليه فيمات أعلم فلنا أن نقول : هي خيل كانت له كالخيل التي تكون عند الملوك وصلت إليه بسبب من أسباب الملك فاستعرضها فلم تزل تعرض عليه حتى غربت الشمس وقيل وغفل عن صلاة العصر وحكى هذا الطبرسي عن علي كرم الله تعالى وجهه وقتادة والسدي ثم قال : وفي روايات أصحابنا أنه فاته أول الوقت وقال الجبائي : لم يفته الفرض وإنما فاته نفل كان يفعله آخر النهار
فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي قاله عليه السلام اعترافا بما صدر عنه من الإشتغال وندما عليه وتمهيدا لما يعقبه من الأمر بردها وعقرها على ما هو المشهور والخير كثر استعماله في المال ومنه قوله تعالى إن ترك خيرا وقوله سبحانه ك وما تنفقوا من خير يعلمه الله وقوله عز و جل : وإنه لحب الخير لشديد وقال بعض العلماء : لا يقال للمال خير حتى يكون كثيرا ومن مكان طيب كما روي أن عليا كرم الله تعالى وجهه دخل على مولى له فقال : ألا أوصي يا أمير المؤمنين قال لا لأن الله تعالى يقول : إن ترك خيرا وليس لك مال كثير وروي تفسيره بالمال هنا عن الضحاك وابن جبير وقال أبو حيان : يراد بالخير الخيل والعرب تسمي الخيل الخير وحكى ذلك عن قتادة والسدي ولعل ذلك لتعلق الخير بها ففي الخبر الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة والأحباب على ما نقل عن الفراء مضمن معنى الإيثار وهو ملحق بالحقيقة لشهرته في ذلك وظاهر كلام بعضهم أنه حقيقة فيه فهو مما يتعدى بعلي لكن عدي هنا بعن لتضمينه معنى الإنابة وحب الخير مفعول آثرت حب الخير منيبا له عن ذكر ربي أو أنبت حب الخير عن ذكر ربي مؤثرا له
وجوز كون حب منصوبا على المصدر التشبيهي ويكون مفعول أحببت محذوفا أي أحببت الصافنات أو عرضها حبا مثل حب الخير منيبا لذلك عن ذكر ربي وليس المراد بالخير عليه الخيل وذكر أبو الفتح الهمداني أن أحببت بمعنى لزمت من قوله
ضرب بعير السوء إذ أحبا
واعترض بأن أحب بهذا المعنى غريب لم يرد إلا في هذا البيت وغرابة اللفظ تدل على اللكنة وكلام الله عز و جل منزه عن ذلك مع أن اللزوم لا يتعدى بعن إلا إذا ضمن معنى يتعدى به أو تجوز به عنه فلم يبق فائدة في العدول عن المعنى المشهور مع صحته أيضا بالتضمين وجعل بعضهم الأحباب من أول الأمرلا بمعنى التقاعد والإحتباس وحب الخير مفعولا لأجله أي تقاعدت واحتبست عن ذكر ربي لحب الخير وتعقب بأن الذي يدل عليه كلام اللغويين أنه لزوم عن تعقب أو مرض ونحوه فلا يناسب تقاعد النشاط والتلهي الذي كان عليه السلام فيه وقول بعض الأجلة : بعد التنزل عن جواز استعمال المقيد في المطلق لما كان لزوم المكان لمحبة الخيل على خلاف مرضاة الله تعالى جعلها من