كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 23)
الكتاب إذا قطع أطرافه بسيفه وعن الحسن كسف عراقيبها وضرب أعناقها أراد بالكسف القطع ومنه الكسف في ألقاب الزحاف والعروض ومن قاله بالشين المعجمة فمصحف وكون المراد القطع قد دل عليه بعض الأخبار
أخرج الطبراني في الأوسط والإسماعيلي في معجمه وابن مردويه بسند حسن عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال في قوله تعالى فطفق مسحا بالسوق والأعناق قطع سوقها وأعناقها بالسيف وقد جعلها عليه السلام بذلك قربانا لله تعالى وكان تقريب الخيل مشروعا في دينه ولعل كسف العراقيب ليتأتى ذبحها بسهولة وقيل : إنه عليه السلام حسبها في سبيل الله تعالى وكان ذلك المسح الصادر منه وسمالها لتعرف أنها خيل محبوسة في سبيل الله تعالى وهو نظير ما يفعل اليوم من الوسم بالنار ولا بأس به في شرعنا مالم يكن في الوجه ولعله عليه السلام رأى الوسم بالسيف أهون من الوسم بالنار فاختاره أو كان هو المعروف في تلك الأعصار بينهم ويروى أنه عليه السلام لما فعل ذلك سخر له الريح كرامة له وقيل : إنه عليه السلام أراد بذلك إتلافها حيث شغلته عن عبادة ربه عز و جل وصار تعلق قلبه بها سببا لغفلته واستدل بذلك الشبلي قدس سره على حل تحريق ثيابه بالنار حين شغلته عن ربه جل جلاله وهذا قول باطل لا ينبغي أن يلتفت إليه وحاشا نبي الله أن يتلف مالا محترما لمجرد أنه شغل به عن عبادة وله سبيل لأن يخرجه عن ملكه مع نفع هو من أجل القرب إليه عز و جل على أن تلك الخيل لم يكن عليه السلام اقتناها واستعرضها بطرا وافتخارا معاذ الله تعالى من ذلك وإنما اقتناها للإنتفاع بها في طاعة الله سبحانه واستعرضها للتطلع على أحوالها ليصلح من شأنها ما يحتاج إلى إصلاح وكل ذلك عيادة فغاية ما يلزم أنه عليه السلام نسي عبادة لشغله بعبادة أخرى فاستدلال الشبلي قدس سره غير صحيح وقد نبه على عدم صحته عبد الوهاب الشعراني من السادة الصوفية في كتابه اليواقيت والجواهر في عقائد الأكابر ولكن يحمل الآية على محمل آخر وما ذكرناه في محملها وتفسيرها هو المشهور بين الجمهور لهم فيها كلام غير ذلك فقيل ضمير ردوها للشمس والخطاب للملائكة عليهم السلام الموكلين بها قالوا : طلب ردها لما فاته صلاة العصر لشغله بالخيل فردت له حتى صلى العصر وروي هذا القول عن علي كرم الله تعالى وجهه كما قال الخفاجي والطبرسي وتعقب ذلك الرازي بأن القادر على تحريك الأفلاك والكواكب هو الله تعالى فكان يجب أن يقول ردها علي دون ردوها بضمير الجمع
فإن قالوا : هو للتعظيم كما في رب ارجعون قلنا : لفظ ردوها مشعر بأعظم أنواع الإهانة فكيف يليق بهذا اللفظ رعاية التعظيم وأيضا إن الشمس لو رجعت بعد الغروب لكان مشاهدا لكل أهل الدنيا ولو كان كذلك لتوفرت الدواعي على نقله وحيث ينقله أحد علم فساده
والذي يقول برد الشمس لسليمان يقول هو كردها ليوشع وردها لنبينا صلى الله عليه و سلم في حديث العير ويوم الخندق حين شغل عن صلاة العصر وردها لعلي كرم الله تعالى وجهه ورضي عنه بدعائه عليه الصلاة و السلام فقد روي عن أسماء بنت عميس أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يوحي إليه ورأسه في حجر علي كرم الله تعالى وجهه فلم يصل العصر حتى غربت الشمس فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : صليت يا علي قال : لا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : اللهم إنه كان في طاعتك وطاعة رسولك فاردد عليه الشمس قالت أسماء : فرأيتها غربت ثم رأيتها طلعت بعد ما غربت ووقعت على الأرض وذلك بالصهباء في خيبر وهذا الخبر في صحته خلاف فقد ذكره ابن الجوزي في الموضوعات وقال إنه موضوع