كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 23)
نزل بالماء فهو كفر والقائل كافر حلال دمه إن لم يتب كما نص عليه الشافعي وغيره وفي الروضة من اعتقد أن النوء يمطر حقيقة كفر وصار مرتدا وإن أراد به أن النوء سبب ينزل الله تعالى به الماء حسبما علم وقدر فهو ليس بكفر الصحيحين بل مباح لكن قال ابن عبد البر : هو وإن كان مباحا كفر بنعمة الله تعالى وجهل بلطيف حكمته
وفي الصحيحين عن زيد بن خالد الجهني أن النبي صلى الله عليه و سلم قال أثر سماء : هل تدرون ما قال ربكم قالوا : الله تعالى ورسوله أعلم قال : قال أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر فأما من قال مطرنا بفضل الله تعالى ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب وأما من قال مطرنا بنوء كذا فهو كافر بي مؤمن بالكواكب وظاهر أن الكفر مقابل الإيمان فيحمل على ما إذا أراد القائل ما سمعت أولا والله تعالى الحافظ من كل سوء لا رب غيره ولا يرجى إلا خيره
والقمر في العرف العام هو الكوكب المعروف في جميع ليالي الشهر والمشهور عند اللغويين أنه بعد الإجتماع مع الشمس ومفارقته إياها لا يسمى قمرا إلا من ثلاث وست وعشرين ليلة وفيما عدا ذلك يسمى هلالا ولعل الأظهر في الآية حمله على المعنى الأول وهو الشائع إذا ذكر مع الشمس أي قدرنا هذا الجرم المعروف منازل ومسافات مخصوصة فسار فيها ونزلها منزلة منزلة حتى عاد أي صار في أواخر سيره وقربه من الشمس في رأى العين كالعرجون هو عود عزق النخلة من بين الشمراخ إلى منبته منها وروي ذلك عن الحسن وقتادة وعن ابن عباس أنه أصل العذق وقيل الشمراخ وهو ما عليه البسر من عيدان العذق والكباسة والمشهور الأول ونونه على ما حكي عن الزجاج زائدة فوزنه فعلون من الإنعراج وهو الإعوجاج والإنعطاف وذهب قوم واختاره الراغب والسمين وصاحب القاموس إلى أنها أصلية فوزنه فعلول وقرأ سليمان التيمي كالعرجون بكسر العين وسكون الراء وفتح الجيم وهي لغة فيه كالبزيون والبزيون وهو بساط رومي أو السندس
القديم
39
- أي العتيق الذي مر عليه زمان يبس فيه ووجه الشبه الإصفرار والدقة والإعوجاج وقيل : أقل مدة القدم حول فلو قال رجل كل مملوك لي قديم فهو حر عتق منهم من مضى له حول وأكثر وقيل : ستة أشهر وحكاه بعض الإمامية عن أبي الحسن الرضا رضي الله تعالى عنه لا الشمس ينبغي لها أي يتسخر وينسهل كما في قولك النار ينبغي أن تحرق الثوب أو يحسن ويليق أي حكمة كما في قولك الملك ينبغي أن يكرم العالم واختار غير واحد المعنى الأول وأصل ينبغي مطاوع بغي بمعنى طلب وما طاوع وقبل الفعل فقد تسخر وتسهل والنفي راجع في الحقيقة إلى ينبغي فكأنه قيل : لا يتسهل للشمس ولا يتسخر أن تدرك القمر أي في سلطانه بأن تجتمع معه في الوقت الذي حده الله تعالى له وجعله مظهرا لسلطانه فإنه عز و جل جعل لتدبير هذا العالم بمقتضى الحكمة لكل من النيرين الشمس والقمر حدا محدودا ووقتا معينا يظهر فيه سلطانه فلا يدخل أحدهما في سلطان الآخر بل يتعاقبان إلى أن يأتي أمر الله عز و جل وهذه الجملة لنفي أن تدرك الشمس القمر فيما جعل له وقوله تعالى ولا الليل سابق النهار لنفي أن يدرك القمر الشمس فيما جعل لها أي ولا آية الليل سابقة آية النهار وظاهر سلطانها في وقت ظهور سلطانها وإلى هذا المعنى يشير كلام قتادة والضحاك وعكرمة وأبي صالح واختاره الزمخشري ليناسب قوله تعالى لا الشمس ينبغي لها ولأن الكلام في الآيتين دل عليه قوله تعالى والشمس تجري الآيتان واآخرا كل في فلك يسبحون وعبر بالإدراك أولا وبالسبق ثانيا على ما في الكشاف لمناسبة