كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 23)
ومردة قرن بعضهم بالجوامع ليكفروا عن الشر وظاهره أن هناك تقييدا حقيقة وهو مشكل لأن الشياطين إما أجسام نارية لطيفة قابلة للتشكل وإما أرواح خبيثة مجردة وأيا ما كان لا يمكن تقييدها ولا إمساك القيد لها وأجيب باختيار الأول وهو الصحيح
والأصفاد غير ما هو المعروف بل هي أصفاد يتأتى بها تقييد اللطيف على وجه يمنعه عن التصرف والأمر من أوله خارق للعادة وقيل : إن لطافة أجسامهم بمعنى شفافتها والشفاعة لا تأبى الصلابة كما في الزجاج والفلك عند الفلاسفة فيمكن أن تكون أجسامهم شفافة وصلبة فلا ترى لشفافتها ويتأتى تقييدها لصلابتها وأنكر بعضهم الصلابة لتحقق نفوذ الشياطين فيما لا يمكن نفوذ الصلب فيه وأنهم لا يدركون باللمس والصلب يدرك به
وقيل : لا مانع من أنه عليه السلام يقيدهم بشكل صلب فيقيدهم حينئذ بالأصفاد والشيطان إذا ظهر متشكلا بشكل قد يتقيد به ولا يمكنه التشكل بغيره ولا العود إلى ما كان وقد نص الشيخ الأكبر محي الدين قدس سره أن نظر الإنسان يقيد الشيطان بالشكل الذي يراه فيه فمتى رأى الإنسان شيطانا بشكل ولم يصرف نظره عنه بالكلية لم يستطع الشيطان الخفاء عنه ولا التشكل بشكل آخر إلى أن يجد فرصة النظر عنه ولو برمشة عين
وزعم الجبائي أن الشيطان كان كثيف الجسم في زمن سليمان عليه السلام ويشاهده الناس ثم لما توفي عليه السلام أمات الله عز و جل ذلك الجن وخلق نوعا آخر لطيف الجسم بحيث لا يرى ولا يقوى على الأعمال الشاقة وهذا لا يقبل أصلا إلا برواية صحيحة وأنى هي وقيل : الأقرب أن المراد تمثيل كفهم عن الشرور بالأقران في الصفد وليس هناك قيد ولا تقييد حقيقة هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب
39
- إما حكاية لما خوطب به سليمان عليه السلام مبينة لعظم شأن ما أوتي من الملك وأنه مفوض إليه تفويضا كليا وإما مقول لقول مقدر هو معطوف على سخرنا أو حال من فاعله أي وقلنا أو قائلين له هذا الخ والإشارة إلى ما أعطاه مما تقدم أي هذا الذي أعطيناكه من الملك العظيم والبسطة والتسليط على ما لم يسلط عليه غيرك عطاؤنا الخاص بك فاعط من شئت وامنع من شئت غير محاسب على شيء من الأمرين ولا مسئول عنه في الآخرة لتفويض التصرف إليك على الإطلاق فبغير حساب حال من المستكن في الأمر والفاء جزائية و هذا عطاؤنا مبتدأ وخبر والأخبار مغيد لما أشرنا إليه من اعتبار الخصوص أي عطاؤنا الخاص بك أو يقال : إن ذكره ليس للإخبار به بل ليترتب عليه ما بعده كقوله : هذه دارهم وأنت مشوق ما بقاء الدموع في الآماق وجوز أن يكون بغير حساب حالا من العطاء نحو هذا بعلي شيخا أي هذا عطاؤنا متلبسا بغير حساب عليه في الآخرة أو هذا عطاؤنا كثيرا جدا لا يعد ولا يحسب لغاية كثرته وأن يكون صلة العطاء واعتبر بعضهم قيدا له لتتم ولا يحتاج لاعتبار ما تقدم وعلى التقديرين ما في البين اعتراض فلا يضر الفصل به والفاء اعتراضية وجاء اقتران الإعتراض بها كما جاء بالواو كقوله : واعلم فعلم المرء ينفعه أن سوف يأتي كل ما قدرا وقيل : الإشارة إلى تسخير الشياطين والمراد بالمن والإمسام إطلاقهم وإبقاؤهم في الأصفاد والمن قد يكون بمعنى الإطلاق كما في قوله تعالى فإما منا بعد وإما فداء والأولى في قوله تعالى بغير حساب حينئذ كونه حالا