كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 23)

أي اضرب بها وكذا قوله تعالى : هذا مغتسل بارد وشراب
42
- فإنه أيضا إما حكاية لما قيل له بعد امتثاله بالأمر ونبوع الماء أو مقول لقول مقدر معطوف على مقدر ينساق إليه الكلام كأنه قيل : فضربها فنبعت عين فقلنا له هذا مغتسل تغتسل به وتشرب منه فيبرأ ظاهرك وباطنك فالمغتسل اسم مفعول على الحذف والإيصال وكذا الشراب وعن مقاتل أن المغتسل اسم مكان أي هذا مكان تغتسل فيه وليس بشيء وظاهر الآية اتحاد المخبر عنه بمغتسل وشراب وقيل : إنه عليه السلام ضرب برجله اليمنى فنبعت عين حارة فاغتسل منها وبرجله اليسرى فنبعت باردة فشرب منها وقال الحسن : ركض برجله فنبعت عين فاغتسل منها ثم مشى نحوا من أربعين ذراعا ثم ركض برجله فنبعت أخرى فشرب منها ولعله عني بالأولى عينا حارة وظاهر النظم عدم التعدد
و بارد على ذلك صفة شراب مع أنه مقدم عليه صفة مغتسل وكون هذا إشارة إلى جنس النابع أو يقدر وهذا بارد الخ تكلف لا يخرج ذلك عن الضعف وقيل أمر الركض بالرجل ليتناثر عنه كل داء بجسده
وكان ذلك على ما روي عن قتادة والحسن ومقاتل بأرض الجابية من الشام وفي الكلام حذف أيضا أي فاغتسل وشرب فكشفنا بذلك ما به من ضر ووهبنا له أهله بإحيائهم بعد هلاكهم على ما روي عن الحسن
وروي الطبرسي عن أبي عبد الله رضي الله تعالى عنه أن الله تعالى أحيا له أهله الذين كانوا ماتوا قبل البلية وأهله الذين ماتوا وهو في البلية وفي البحر الجمهور على أنه تعالى أحيا له من مات منأهله وعافى المرضى وجمع عليه من تشتت منهم وقيل وإليه أميل وهبه من كان حيا منهم وعافاه من الإسقام وأرغد لهم العيش فتناسوا حتى بلغ عددهم عدد من مضى ومثلهم معهم فكان له ضعف ما كان والظاهر أن هذه الهبة كانت في الدنيا وزعم بعض أن هذا وعد وتكون تلك الهبة في الآخرة رحمة منا أي لرحمة عظيمة عليه من قبلنا
وذكرى لأولي الألباب
43
- وتذكيرا لهم بذلك ليصبروا على الشدائد كما صبر ويلجؤا إلى الله تعالى فيما يصيبهم كما لجأ ليفعل سبحانه بهم ما فعل به من حسن العاقبة روي عن قتادة أنه عليه السلام ابتلى سبع سنين وأشهرا وألقي على كناسة بني إسرائيل تختلف الدواب في جسده فصبر ففرج الله تعالى عنه وأعظم له الأجر وأحسن وعن ابن عباس أنه صار ما بين قدميه إلى قرنه قرحة واحدة وألقي على الرماد حتى بدا حجاب قلبه فكانت امرأته تسعى إليه فقالت له يوما : أما ترى يا أيوب قد نزل بي والله من الجهد والفاقة ما أن بعت قروني برغيف فأطعمتك فادع الله تعالى أن يشفيك ويريحك فقال : ويحك كنا في النعيم سبعين عاما فاصبري حتى نكون في الضر سبعين عاما فكان في البلاء سبع سنين ودعا فجاء جبريل عليه السلام فأخذ بيده ثم قال : قم فقام عن مكانه وقال اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب فاغتسل وشرب فبرأ وألبسه الله تعالى حلة من الجنة فتنحى فجلس في ناحية وجاءت امرأته فلم تعرفه فقالت : يا عبد الله ابن المبتلى الذي كان ههنا لعل الكلاب ذهبت به أو الذئاب وجعلت تكلمه ساعة فقال : ويحك أنا أيوب قد رد الله تعالى علي جسدي ورد الله تعالى عليه ماله وولده ومثلهم معهم وأمطر عليه جرادا من ذهب فجعل يأخذ الجراد بيده ويجعله في ثوبه وينشر كسائه فيجعل فيه فأوحى الله تعالى إليه يا أيوب أما شبعت قال : يا رب من الذي يشبع من فضلك ورحمتك وفي البحر روي أنس عن النبي صلى الله عليه و سلم أن أيوب بقي في محنته ثماني عشرة سنة يتساقط لحمه حتى

الصفحة 207